وصل إلى التحالف الدولي تسجيل صوتي يُزعَم بأنه شهادة أحد المقاتلين المنشقين من داعش يدعى “م د”، والذي يرغب بمشاركة قصته حول كيفية انضمامه إلى التنظيم، ماذا حدث أثناء تواجده ضمن التنظيم، إضافةً إلى أسباب انشقاقه. بعد معاينة دقيقة، استنتج محللو التحالف الدولي بأن الشهادة صادقة واتُّخِذ القرار بنشرها. هذه الشهادة تعطينا شهادة أولية عن وحشية داعش وانهياره داخلياً. اقرأ الجزأ الأول هنا والجزء الثاني هنا. نزِّل الترجمة الإنكليزية للمقابلة بأكملها هنا (pdf).
الجزء الثالث: “ضيَّعت سنوات من عمري مع داعش.”
كما شرحنا في الجزأين الأول والثاني، “م د” هو شاب سوري يؤمن بحسه الأخلاقي والديني العالي، مما يفسر سبب اختياره الدائم للأطراف الساعية إلى تحقيق فرق حقيقي. ما يظهر من قصته أيضاً هو قدرته على التفكير والتأمل. كل مرة قرر فيها أن يقسم الولاء لقضية ما، سواء الفصيل السلفي الذي انضم إليه أولاً، أو جبهة النصرة أو داعش، قراره كان مستنداً على تبريرات قوية. بيد أن التبريرات التي قدمها داعش لتناقضاته وعدوانه المتأصل فيه أصبح لا يطاق مع مرور الوقت، وهذا ما أدى إلى اتخاذ “م د” القرار بالانشقاق عنه.
“بدا أننا قد تجاوزنا حداً لا رجعة عنه”
تفيد التقارير بأن ترك تنظيم مثل داعش هو عملية تدريجية تحتاج إلى تراكم للأدلة المدينة للتنظيم. يتذكر “م د” لحظة إعلان داعش رسمياً “للخلافة”، ولا شك بخصوص شعوره في ذلك الوقت: “ابتهجنا وفرحنا لهذا الإعلان (…). كنا نعتبرها خطوة جبارة نحو الأمام”. هذا الحس بالإنجاز يفسر ربما لم احتاج “م د” إلى عدد من الحوادث حتى يرى أغلاط وأخطاء مشروع التنظيم.
أول حادثة كانت المجزرة بحق عشيرة الشعيطات في شرق محافظة دير الزور في آب\ أغسطس 2014، حيث خلَّف التنظيم 700 قتيل وراءه، من ضمنهم أطفال. يشرح “م د” بأن داعش قال بأنه يحتاج إلى “صنع عبرة يعتبر منها الناس”. حين بدأ “م د” بالتفكير بأنهم قد “تجاوزوا حدهم في طريقة تعاملهم مع الشعيطات،” صديقه وقائده أبو العباس أخبره ببساطة بأن “الغاية تبرر الوسيلة.” حينها لم يتأمل “م د” كثيراً بالموضوع وقال لنفسه بأن قيادته تعرف أفضل منه: “جعلونا نتقبل أشياء دون التفكير بها.” بعد تلك الحادثة بدأ “م د” يشك بقرارات التنظيم العسكرية. على حد قوله فإن محاصرة مدينة كوباني على الحدود التركية (بين أيلول\ سبتمبر 2014 وآذار\ مارس 2015) لم يكن له أي مكسب استراتيجي مقارنة بعدد أرواح السوريين التي تم فقدانها في المعركة. “لم يكن لدينا خطة عسكرية واضحة (…) كانت المعركة عبارة عن مَحرَقة،” يضيف نادباً “كان الارتباك واضحاً على المقاتلين (…). كوباني كانت نقطة الانهيار.”
“خائف على الدوام، كثير التفكير وقلق”
رغم أنه شهد العديد من المظالم والانحرافات التي تم ارتكابها باسم داعش، فإن “م د” يواصل حياته كجندي “للخلافة”. بيد أن عدد من الحوادث التي تضمنت أشخاص قريبين منه قادته إلى “التفكير ملياً بإمكانية أن يكون على خطأ.”
حين قررت داعش مصادرة مملتكات أحدث أصدقائه على أساس تهم مفبركة، حاول “م د” أن يعيد فتح القضية بمساعدة أميره أبي العباس. لكن أبا العباس قتل في غارة جوية في ذلك الوقت، مما حَرَم “م د” من حمايته. يتذكر بالقول: “الرجل الذي كنا نحاول مساعدته كان قد قضى أربعة شهور في السجن، وهو أمر يثير السخرية.” اكتشف لاحقاً بأنه كان يتم معاقبة صديقه لأنه كان يتمتع بدعم أبي العباس: “كان الموضوع عبارة عن تسوية حسابات، لكن بعد وفاة أبي العباس، لم يكن لهذا الرجل أي ظهر (…)، كان هذا ظلماً سافراً.”
الفساد الواضح أدى بعدد متزايد من أفراد داعش إلى التشكيك بكيفية إدارة الأمور. في أحد الأيام بدأ عضوان من داعش، أحدهما مواطن بلجيكي والآخر بريطاني، بالتشكيك على الملأ بممارسات التنظيم إذ “انزعجا من التناقضات التي شهداها.” بحسب “م د” فإن “غلطهم كان التعبير عن أفكارهم على الملأ.” بعد إعدام الرجلين أمامه، يتذكر “م د” بأنه تعجب وقتها كيف لم يتم إمثالهم أمام القضاء رغم وجود قاضٍ خاص بهذه المسائل. يقول: “لم أر أي خطأ فيما فعلاه، وهو التشكيك بالأمور أو التفكير بها”. لكن بحسب رأيه فإن الكشف عن آرائك لأحد من التنظيم هو أمر خطير جداً: “تعيش دائماً في حالة خوف وقلق وتفكير مفرط.”
لم يكن بالإمكان الوثوق بقضاة داعش أنفسهم. يقول “م د” بأن الأمر “كان مرعباً” وهو يتذكر قصة القاضي الداعشي الذي حكم على العشران من الناس بالإعدام إثر اتهامهم بالتجسس بيد أن القاضي نفسه “قد أعدِم بتهمة التطرف والعمل كجاسوس.” بحسب “م د” هذا النوع من الحوادث كانت تحدث بشكل متكرر. لم يكن مسموحاً لأحد بالتشكيك أو التحقيق في شيء.
“لم يحرِّم الله علينا التفكير أو يمنعنا عنه”
في النهاية أدرك “م د” بأنه انضم إلى تنظيم يمثل كل شيءٍ كان قد عهد على نفسه بأن يحاربه في بداية الثورة. يقول: “وصل إلى نقطة عجزت فيها عن تبرير هذه الأفعال، تماماً كما كان يحدث في ظل نظام الأسد.” نتيجة تناقضات وظلم التنظيم أصبح غامراً و”أدرك الانحراف والغلط الذي أصبح هو نفسه جزأ منه.” يقول “م د” لأولئك الذين ما يزالون يعيشون في مناطق داعش: “لم يمنعنا الله عن التفكير أو السؤال أو المقارنة. داعش يمنع أعضاءه من التفكير، وهو ما يُغِّيب عقولهم.”
نزل النسخة الإنكليزية من المقابلة الكاملة هنا.