يقول أحمد صالح البالغ من العمر 28 عامًا وهو أحد المستفيدين من برنامج المرونة وإعادة التأهيل والإصلاح الحضري المنفذ من قبل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في المناطق المحررة حديثًا “كنت في غاية السعادة عندما وجدت منزلي قد أُعيد بناؤه، حيث تتألف أسرتي من ثمانية أفراد وكان من المستحيل أن نعود إلى منزلنا في الرمادي دون وجود مكان نعيش فيه”.
لم يقدم فريق برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية المساعدة لصلاح وعائلته ليعودوا إلى منزلهم فحسب، بس ساعده أيضًا في إيجاد فرص عمل. وكان قد شارك في دورات تدريبية تقنية نفذتها وكالة الأمم المتحدة بمثابة جزء من البرنامج، وتلقى التدريب على المهارات اللازمة لإعادة بناء المنازل.
كما تلقى السكان من فئة الشباب في المجتمعات المتضررة بالنزاع من خلال برنامج المرونة وإعادة التأهيل والإصلاح الحضري التدريب على مهارات البناء الأساسية مثل النجارة واللحام والسباكة وأعمال الكهرباء بهدف إعادة بناء منازلهم وإعادة بناء البنية التحتية. الأمر الذي خلق فرص عمل للشباب في مناطقهم، ما يمكن أن يؤمن سبل العيش لهم في المستقبل.
عندما حُررت الرمادي من سيطرة داعش عام 2016، كان أحمد وعائلته تواقون للعودة، إلا أنهم وجدوا أن منزلهم قد تضرر بفعل العمليات العسكرية. ومع عدم توفر مكان لائق للعيش، اضطرت العائلة للعودة إلى مخيم للنازحين داخليًا في عامرية الفلوجة حيث كانوا يقيمون.
لكن بفضل المهارات الجديدة التي اكتسبها، يتطلع أحمد لإعادة بناء مدينته لمساعدة السكان الآخرين.
يقول أحمد “سوف أعمل جاهدًا لمساعدة النساء اللواتي فقدن أزواجهن أو آبائهن من خلال إعادة تأهيل منازلهن ليتمكنّ من العودة”.
ويغطي المشروع مناطق خارج الرمادي، في مواقع في مناطق محررة من داعش مثل نينوى وديالي والأنبار وصلاح الدين. سلّم برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في كانون الثاني/يناير 2018 نحو 300 منزل للعائدين بينها 100 منزل في منطقة برطلّة ذات التواجد المسيحي و100 في الرمادي وكذلك 100 في الفلوجة. كما بدأ العمل من جديد في ثلاثة أحياء في الجانب الغربي من الموصل في الحي الايزيدي في بعشيقة، حيث انتهت عمليات التفتيش الهندسي تحضيرًا لبناء ما يزيد عن 500 منزل.
في حين أن الأرقام في عموم العراق مثيرة للدهشة، حيث قدم برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية 4,103 منازل مسبقة الصنع لإيواء 25,425 نازح وأعاد تأهيل 2,400 منزل كان قد تضرر أو تدمّر نتيجة الحرب على داعش.
يقول الدكتور عرفان علي مدير برنامج المرونة وإعادة التأهيل والإصلاح الحضري “تُشكّل عملية إعادة التأهيل متطلبًا أساسيًا لتأمين العودة المستدامة للنازحين لمجتمعاتهم الأصلية وبناء المدن المرنة التي تمنع التوترات بين مختلف أفراد المجتمع”. ويضيف مؤكدًا أنهم يسعون خلال عملية إعادة تأهيل المنازل المتضررة جراء الحرب إلى التركيز على اختيار المستفيدين من العائلات التي تترأسها النساء أو الأرامل أو الفتيات الحوامل.
وفي هذه المرحلة الحرجة بعد تحرير المدن العراقية، يهدف برنامج الأمم المتحدة لدعم انتقال حكومة العراق من التعامل مع إحدى أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا في العالم إلى التنمية المستدامة. حيث تبلغ الكلفة التقديرية لإعادة الإعمار ما لا يقل عن 100 مليار دولار أمريكي.
وأضاف الدكتور علي “يشارك برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في تقييم الأضرار ومراقبة الإصلاح فضلًا عن جهود إعادة التأهيل والتخطيط الحضري وتنمية المناطق المحلية. كما يساعد البرنامج في إصلاح وإعادة بناء المنازل التي دمرتها الحرب ويساعد في الإسكان والانتقال وفي قضايا الممتلكات”.
كما تشارك المنظمات المحلية في هذا المشروع، حيث يجري المرصد الحضري العراقي الأبحاث في مجالات عديدة في المتابعة والتقييم وتوثيق الأضرار في المدن المحررة في العراق. حيث أن البيانات والدراسات التي قدمها المرصد الحضري العراقي قد أسهمت في هذا المشروع.
ذكرت ميادة داوود مديرة المنظمة “أعد المرصد الحضري العراقي دراسات ميدانية حول حجم الدمار في الموصل والرمادي والفلوجة وصلاح الدين ونينوى وسنجار وتلعفر. كم أسهمنا في برنامج المرونة وإعادة التأهيل والإصلاح الحضري من خلال إعداد دراسة شاملة عن مدينة الموصل”.
شملت الدراسة وثائق الخطط العمرانية للمدينة والتوسع الذي حدث بعد عام 2003 وحتى عام 2014، وذلك سعيًا للحصول على إجابات من مجال التحضّر حول بعض المشاكل التي واجهت المدينة قبل احتلالها من داعش بهدف تجنب تلك المشاكل خلال إعادة البناء.
تنوعت المعلومات من دراسات حول الدمار الذي لحق بالمنازل الفردية وإمكانية إصلاحها أو إعادة إعمارها إلى تقييم احتياجات الخدمات العامة مثل شبكات الصرف الصحي وتوفير الكهرباء والمياه وكيفية إيصالها للسكان دون انقطاع.
قالت داوود “لقد كان المرصد الحضري العراقي في سباق مع الزمن. كان علينا الحصول على المعلومات ثم التحقق منها وتوثيق التقديرات لمعالجة كل حالة. ثم قدّمنا البيانات للمنظمات بما في ذلك برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية لدراستها واتخاذ الإجراءات وفق حدود الإمكانيات المتاحة في كل مرحلة”.
إضافة للتعاون الوثيق على تقييمات الاحتياجات الإنسانية أثناء نزوح السكان وفي الجهود المبذولة لإعادة بناء المدن العراقية بعد التحرير مباشرة، حيث يتعاون الكيانان لضمان تقدم عملية إعادة الإعمار بشكل شامل قدر الإمكان.
وكان الهدف هو الإسهام ليس فقط بمعالجة المشكلة الحالية، ولكن لمساعدة الحكومة العراقية أيضًا للوفاء بالتزاماتها مع الأمم المتحدة بشأن التنمية المستدامة، لا سيما هدف التنمية المستدامة الحادي عشر المتعلق بجعل المدن شاملة وأمنة ومرنة ومستدامة. وأوضح الدكتور عرفان أنه إذا ما تمت إدارة التحضّر بطريقة شاملة ومستدامة، حينها يمكن لمدن العراق أن تصبح مراكزًا للنمو الاقتصادي ومحركات للتنمية.
وأضاف “ينبغي ألا يوجد تمييز بين السكان من خلال توفير الفرص للجميع. وهذا هو الهدف الرئيسي في عملنا”.