اليوم مر عامان على مقتل زعيم داعش السابق أبو بكر البغدادي. تمثل هذه الذكرى الكئيبة لحظة لتذكر وتكريم الآلاف من ضحايا العنف الذي وجهه. إنها أيضًا فرصة للتفكير في التأثير الذي أحدثه غيابه على داعش كحركة، وكيف أن الغياب اللاحق لوجود قيادة واضحة قد أثر على معنويات داعش ووضوحها الاستراتيجي.
في حين سعت داعش في كثير من الأحيان إلى تقديم نفسها على أنها تملك مقاومة فطرية تجاه فقدان الشخصيات القيادية الرئيسية، فإن الاضطراب الذي عانت منه خلال العام الماضي قد أثر سلبًا على آفاقها بعدة طرق. في العراق، كان موت البغدادي إيذانا ببدء حقبة من عدم الاستقرار النسبي للتنظيم، لا سيما داخل دائرته الداخلية. منذ ذلك الحين، تعرض كبار قادة داعش لمطاردة لا هوادة فيها من قبل قوات الأمن العراقية ذات القدرات المتزايدة، مما منع التنظيم من الظهور مرة أخرى واقتصار عمله إلى حد كبير على الهجمات المتفرقة التي تهدف لتعزيز أهمية التنظيم على الساحة.
خير مثال حديث على هذا الضغط يتمثل في القبض على سامي جاسم محمد الجبوري، ممول داعش الأكبر الذي اعتقلته المخابرات العراقية خلال عملية معقدة عبر الحدود في وقت سابق من هذا الشهر. ومن المتوقع أن يكون لاعتقال الجبوري تداعيات خطيرة حيث وصفه محللون بأنه “ضربة خطيرة“. بعد ذلك بوقت قصير، تمكن رئيس الوزراء العراقي الكاظمي أيضًا من الإعلان عن القبض على غزوان الزوبعي، وهو رجل مسؤول عن التخطيط لتفجير الكرادة في بغداد عام 2016، والذي أودى بحياة أكثر من 300 عراقي.
في أماكن أخرى من العالم، عانت أفرع داعش في الأشهر الأخيرة من ضغوط مستمرة على كوادرها القيادية. في أغسطس / آب، قتلت القوات الفرنسية عدنان أبو وليد الصحراوي، رئيس ما يسمى بفرع الصحراء الكبرى التابع لداعش. في مصر، أدى استسلام القائد الإقليمي الكبير أبو حمزة القاضي لاتحاد قبلي إلى تقويض فرعها في سيناء. في غضون ذلك، أبلغت السلطات العسكرية في نيجيريا عن نجاحات كبيرة ضد شخصيات قيادية بارزة.
في حين يجب أن تكون التقييمات واضحة حول قدرة المجموعة على استبدال القادة الذين سقطوا، لا ينبغي رفض الآثار المزعزعة للاستقرار لهذا الاستنزاف. إن التزام شركاء التحالف الذي لا هوادة فيه بتعطيل عمليات داعش بأي طريقة ممكنة يمنع التنظيم من تشكيل هيكل متسق للقيادة اللازمة للحفاظ على التماسك التنظيمي، وتوحيد الهدف.
في ظل هذا الضغط المستمر، لم يكن مفاجئًا أن يختار القائد العام لداعش، أمير محمد سعيد عبد الرحمن المولى، أن يبقى في الظل. منذ أن أصبح قائداً منذ عامين، لم تصدر وسائل الدعاية الرسمية لداعش بياناً واحداً مكتوباً أو شفهياً من خلف البغدادي الاسمي. هذا النقص في التواصل من الرتب العليا يحرم داعش من بعض الدعاية التي يحتمل أن تكون ملهمة، كما يتضح من الانتشار المستمر لصور البغدادي في الاتصالات المؤيدة لداعش. الدعاية هي شريان الحياة لداعش، فهي تدعم قدرتها على تأمين مجندين جدد وتوحيد شبكة عالمية مبعثرة. وهذه وظائف حيوية وجودية للمجموعة في مرحلة ما بعد الإقليمية – وبالتالي فإن عدم رغبة المولى في الانخراط مباشرة في هذه الوظيفة الرئيسية يشكل إضعافًا لأسس الحركة.
وبهذه الطريقة، تكون حركة داعش المجزأة على نحو متزايد قد طورت نقاط ضعف موازية: “لا أحد ومجهول” (مجهول آدم) كرئيس ومشكلة استنزاف للقيادة في جميع أنحاء العالم. يجب أن يكون هذا الجوهر غير المستقر مقلقًا لأتباعه. مع الإشارة إلى خسائر كبيرة في الأخبار الدولية مرارًا وتكرارًا، باتت داعش بحاجة إلى دعوة حاشدة أكثر من أي وقت مضى. لكن عوضاً عن ذلك، يواجه المؤيدون صمتًا متزايداً من الرتب العليا. تشير النقاشات المنتشرة على الإنترنت إلى وعي متزايد بالتحديات المتمثلة في المطالبة بدعم وتضحية لا يتزعزعان من أتباع التنظيم في ظل هذه الظروف، مع دعوات غير عادية للمجموعة لتخفيف نبرتها لتجنب تنفير المجندين المحتملين من جهة إعلامية موالية لداعش في وقت سابق من هذا الشهر. يبدو أن تنظيم داعش لا يزال يكافح من أجل سد الفجوة التي خلفها مقتل زعيمه السابق بشكل فعال، وقد يكون الضرر غير قابل للإصلاح. إذا رغم مضي عامين على غياب البغدادي، لم تنقشع الغمامة بعد ولم يتوقف السعي.