هذا المقال هو جزء من سلسلة جديد خاصة بالآراء، يُشارك في كتابتها خُبراء من جميع أنحاء العالم. هذه الآراء لا تُعبّر بالضرورة عن آراء التحالف الدولي.
كانت تأوي بلدة دابق الهادئة والواقعة في شمال سوريا مجتمعاً زراعياً صغيراً في ما مضى. ولكن بعد انتشار تنظيم داعش في أنحاء البلاد، فاقت دابق العادية والغير مميزة استراتيجياً على أصوات أبواق الشهرة بعد ادعاء تنظيم داعش بأنها ستشهد موقع حدوث ملحمة نهاية الزمان. أما وقد انتصرت قوات المعارضة السورية يوم الأحد في معركة تحرير البلدة من قبضة داعش، وجهت في الوقت عينه ضربة صاعقة لعقيدة التنظيم.
النبوءة
وفقاً للنبوءات الدينية التي يستند إليها تنظيم داعش ويروج لها، ستشهد قرية دابق الانتصار العظيم لقوات المهدي على الكفار. وبعدها سيزحف جيش المهدي ويفتتح القسطنطينية حتى أن يصل إلى قلب الامبراطورية الرومانية (ما يسمى اليوم بالغرب). وعلى الرغم من أن هذه النبوءات حول نهاية العالم قد تبدو من صنع الخيال، فإن أعداداً كبيرة من مقاتلي داعش يؤمنون أشد الإيمان بالسردية المتعلقة بدابق. فالبلدة محور سردية تنظيم داعش القائمة على الحتمية، كما أنها تعير اسمها للنشرة الدعائية الرسمية للتنظيم.
الهجوم العسكري
قامت قوات “درع الفرات” المؤلفة من فصائل مختلفة من المعارضة السورية وبدعم من التحالف الدولي بهجوم عسكري يهدف إلى تحرير بلدة دابق. منذ شهر سبتمبر بدأت الفصائل بغطاء من التحالف تحضيرها للهجوم بتطويق البلدة، ولكن خلال الأسبوع الماضي حسم تنظيم داعش أمره على الانسحاب بدلاً من الالتزام بنبوءته المتطرفة. ومن المرجح أنّ من تبقى من مقاتلي داعش قد انسحب باتجاه مدينة الباب التي تبعد مسافة ١٠ أميال عن دابق والتي تعد آخر معاقل التنظيم في ريف حلب الشمالي.
رد داعش
على الرغم من الرمزية الدينية والعقائدية لبلدة دابق لدى التنظيم والخسائر التي تكبدها في صفوفه بهدف إحكام السيطرة عليها، فقد سارع التنظيم إلى تبرير خسارته للبلدة ووصفها بالنكسة المؤقتة مؤكداً بأن نهاية الزمان ستقع في دابق، ولكن في موعد غير محدد. واعتبر أحد أبرز المرجعيات الفقهية لتنظيم داعش بأنه على المقاتلين أن يهللوا لأن الله شاء بأن يطيل فترة اختبارهم حتى يحين وقت المعركة الفاصلة. وبالفعل، انعكس التحوّل الملحوظ في تركيز التنظيم على دابق في آخر إصداراته للترويج الدعائي والتي أطلق عليها اسم مجلة “الرومية” نسبة إلى نبوءة أخرى تدعو إلى سقوط الغرب وذبح الكفار.
كيف نقرأ خسارة التنظيم لقرية دابق؟
يشير انسحاب مقاتلي داعش في دابق إلى التقهقر المستمر في نفوذ التنظيم العسكري وحاجته إلى حشد مقاتليه على الجبهات في الموصل والرقة. إن الضجة التي أثارها التنظيم حول بلدة دابق هي دليل آخر على الثغرات والأنانية التي تعتري سرديته.
مصدر الصورة: ابيرنوز ، المشاع الإبداعي