ناظر مدرسة يحمي مستقبل طلابه

يقول فلاح حسن”عندما دخل عناصر داعش على مدرستنا للمرة الأولى في تموز 2014 أمرونا بانزال العلم العراقي و رفع علم داعش بدلا عنه” ثم يطرد قائلا ” اعترضت على ذلك و قلت لهم أن رفع علم داعش على مبنى المدرسة سيحولها إلى هدف عسكري للغارات الجوية و في المدرسة أطفال أبرياء لا ذنب لهم في ما يجري”. تجاهل عناصر داعش اعتراض فلاح حسن و تم رفع علم داعش على مبنى المدرسة.

و بسبب تواجد داعش و سيطرتها على القرية قررت وزارة التعليم العراقي عدم اعتماد نتائج الامتحانات للسنة الدراسية في المدارس الخاضعة لسيطرة داعش حيث أن تلك المناطق غير أمنة و بالتالي يتعذر مراقبة الامتحان و هذا ما دفع العديد من مدراء المدارس الآخرين لترك المدارس التي يعملون بها و النزوح إلى مدن آمنة. قرر فلاح البقاء في قريته من أجل طلابه و بالفعل بقي لأشهر طويلة في قرية السفرة. إلا انه خلال إحدى الزيارات لدائرة التربية و التعليم في حويجة لتفقد البريد غير رأيه و اتخذ قراره بأنه أصبح لا بد من الرحيل. يقول فلاح “قامت داعش بتعميم مناهج جديدة و طبعت كتبا مدرسية  و قد قررت حاليا ان اغلق المدرسة التابعة لمنطقتي و الرحيل من المنطقة”. ثم أكمل قائلا ” لم أرد أن أكون جزءا مشاركا في تسميم عقول الطلاب بمناهج داعش المتطرفة و كنت أظن قبل هذا أن ما يحدث كان شيئا مؤقتا”.

و بينما هو في طريق العودة من دائرة التربية و التعليم اتصل فلاح برئيسه في العمل ليبلغه أنه لن يستطيع المكوث في القرية بعد ذلك. يقول فلاح ” نصحني بأن أحمي أعلام المدرسة الرسمية قبل أن أرحل و هكذا قررنا أن ندفنها في الأرض”.

استغرقت عملية دفن الأعلام ثلاثة أيام حيث حفر فلاح حفرة في الأرض ليلا من أجل تجنب اثارة شك داعش و تمكن من اتمام ذلك منذ الليلة الأولى. في الليلة لاثانية وضع ثلاجة قديمة في الحفرة و في الليلة الثالثة غلف أوراق و سجلات المدرسة في أكياس نايلون و وضعها داخل الثلاجة ثم غطى الثلاجة بالتراب و بعض الأحجار المتكسرة حتى لا يجذب المكان أنظار الناس.

يقول فلاح عن عملية دفن الأوراق ” كنت أفكر في مستقبل طلابي في حال ألقت داعش القبض علي بينما كنت أقوم بدفن أوراق المدرسة و ما قد يحدث إن استطاع عناصر داعش الوصول اليها” . كان يعلم أنه ليس فقط معرض للاعتقال بل أيضا للاعدام أمام أفراد عائلته.

و بعد ستة أيام ترك فلاح القرية متجها نحو كركوك. وصف فلاح مشاعره بينما كان يقود سيارته مغادرا قريته باتجاه كركوك في يوم ماطر في بداية شهر شباط 2015 قائلا ” كنت أفكر في سجلات المدرسة التي دفنتها في الأرض و بالمدرسة التي كنت مديرها مدة عشرين عاما و قريتي التي اضطررت لأن أغادر رغما عني” ثم أكمل ” كنت قد أرسلت زوجتي و أطفالي الخمسة إلى كركوك قبل أن أغادر .

كنت مصرا على لقاءهم بعد أن افترقنا مدة شهرين كاملين و كانت كل تلك الأفكار تعج في ذهني بالاضافة لمشاعر مختلطة بين الخوف و الاصرار و التوتر و أنا أقود السيارة بعيدا عن القرية “.

في كركوك بدأ فلاح بالعمل مجددا و أصبح ناظر مدرسة مختصة بالنازحين و عندما تم تحرير حويجة و المناطق المحيطة بها عزم فلاح على العودة إلى مدرسته حيث أنها كانت الثانوية الوحيدة الموجودة في القرية الممتدة من الرياض حتى مخول. و كان عدد الطلاب في العام الدراسي 2013-2014 الاجمالي قد وصل إلى 650 طالب و إعادة إقلاع الدوام و الدورة الدراسية في مدرسة الرشيد كان أحد عوامل إعادة الحياة للمنطقة.

وأكد فلاح أن أول شئ قام به عندما عاد إلى قريته هو العودة إلى المدرسة.

قال فلاح “ذهبت من فوري لاستخراج الأوراق و السجلات المدرسية المدفونة” ثم أكمل قائلا ” عندما رأيت الطاولات المحطمة مكان السجلات شعرت بالاطمئنان أنه لم يتم العثور عليها إلا أنني كنت لازلت قلقا حول مصير السجلات إذ أنها ممكن أن تتضرر بسبب عوامل الطقس من مطر و برد على مدى شتائين و لا يسعني أن أصف مدى سعادتي عندما أخرجت الأوراق و ووجدت أنها سليمة و أنه قد تم انقاذ مستقبل الطلاب الذي كان معرضا للضياع بسبب داعش و شعرت وقتها أنني انتصرت على داعش بالفعل”.

حصل فلاح على تقدير وزارة التربية و التعليم حيث قامت الوزارة بنشر صور فلاح و هو يحمل الأوراق أثناء اخراجها من الحفرة على موقعها على الفيسبوك. يختم فلاح حديثه قائلا ” لم أقم بهذا العمل من أجل الحصول على التقدير إنما كان ذلك عملي الذي أقوم به و واجبي نحو طلابي” .

محمد عبدالله – كركوك

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك, يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد