شكلت جائحة كورونا تحدياً فريداً بالنسبة إلى السوريين، لا سيما في المجتمعات التي تعاني نقصاً شديداً في الرعاية الطبية. مخيم أبو قبيع في شمال شرق سوريا، والذي يأوي حوالي 250 عائلة نازحة، هو واحدٌ من تلك المجتمعات الصغيرة التي تواجه هذا التحدي. لكن بصيصاً من الأمل، منحه الممرض حسين العلي إلى سكان المخيم، الذي نزح مع عائلته إلى المخيم قبل عامين. فقد نقل حسين معه خبرته في مجال التمريض، وهو اليوم يشرف على النقطة الطبية الوحيدة في المخيم، والتي أسسها بنفسه بالتعاون مع السلطات المحلية في المنطقة.
وبمساعدة عدد من العاملين في مجال الرعاية الصحية، صبّ حسين جهده منذ ظهور وباء كورونا على توعية أهالي المخيم حول الفيروس وسبل الوقاية منه. وركز على مساعدة النازحين على توعيتهم حول سبل الوقاية بالإمكانات البسيطة المتوفرة. كذلك عمل على تقديم التوصيات إلى إدارة المخيم منعاً لدخول أو تفشي الوباء بين صفوف الأهالي. يقول حسين إنه “قدّم إلى الأهالي النصائح الأساسية المتعلقة بالنظافة الشخصية وأساليب التباعد الاجتماعي، باعتبارها أكثر سبل الوقاية فعالية من هذا الوباء”.
مخيم أبو قبيع، والذي يقع غرب مدينة الرقة، استقبل عائلات نازحة من إدلب عام 2018، وظلت العائلات النازحة من شمال غرب سوريا تلجأ إلى هذا المخيم العشوائي. وكونه كذلك، لا تعترف المنظمات الدولية به كمخيم رسمي، الأمر الذي حال دون وصول مساعدات بالمستوى المطلوب أسوة بغيره من المخيمات في المنطقة. ومع ذلك، سعى حسين مع إدارة المخيم والسلطات المحلية إلى تأمين المستلزمات الأساسية لتجهيز النقطة الطبية والاستجابة الطارئة للحالات الاستشفائية.
في النقطة الطبية، كل الأدوية والعلاجات والاسعافات الأولية تقدم إلى النازحين بالمجان. ويشير حسين إلى أن “النقطة الطبية تقدم الخدمات الطبية الإسعافية على مدار أربع وعشرين ساعة، ما يبعث بالطمأنينة لدى الأهالي”. ويحرص حسين على فتح قنوات التواصل مع اللجان الطبية والمستشفيات في المناطق المحيطة، لاستقبال الحالات التي لا يمكن للنقطة الطبية التعامل معها. “فتكون مستشفيات مدينة الرقة هي الوجهة لمن هو بحاجة لتدخل طبي أكبر”، وفق ما يشير حسين.
جهود حسين ومبادرات سكان المخيم الفردية، لم تقتصر فقط على تأسيس هذه النقطة الطبية. إذ أنهم عملوا على استحداث نقطة تعليمية وأخرى ترفيهية للأطفال قبل حوالي عام من اليوم. ومع ذلك، مازال سكان المخيم بحاجة إلى دعم كبير في ظل إجراءات الحظر في المنطقة وعدم تمكن السكان من الخروج من المخيم بحثاً عن فرص عمل منعدمة في الأساس.
حسين وغيره من سكان المخيم، ما يزالون يحلمون بالعودة إلى مدنهم وقراهم في إدلب. ويقول حسين في هذا الإطار: “أتمنى أن نعود إلى بلادنا (منازلنا)، فصحيح أننا نسكن في المخيم لكن في النهاية لنا بيوت وناس وأراضٍ. نتمنى أن ينتهي الظلم عن كل سوريا”.
مبادرة حسين، هي مثالٌ لقدرة النازحين السوريين على التأقلم والمرونة التي يتحلون بها بمواجهة الواقع الصعب الذي يعيشون جراء التشرد والحرب. يستفيديون من خبراتهم، وينقلونها إلى الغير وينفعون بها مجتمعاتهم المحلية على أمل انتهاء الأزمة والعودة إلى منازلهم. ويبقى الأمل بانتهاء هذه الأزمة قريباً والعودة يوماً ما إلى منازلهم والعيش بسلام.