“في عام 2014، كان داعش في كل مكان، بما في ذلك نينوى وديالى، وهذا ما جعل التحالف الدولي يأتي إلى هنا. كان ذلك لمساعدة القوات العراقية في هزيمة داعش، وأعلنوا النصر على داعش في عام 2017”. غابي طومسون، المتحدثة السابقة باسم التحالف ضد داعش.
وفي تلك الجملة القصيرة، لخصت سنوات من القتال العنيف، وحصيلة هائلة للقتلى، وتشريداً هائلاً للسكان، وأضراراً لا يمكن تصورها لما يمكن وصفه بالحياة “الطبيعية” في العراق وشمال شرق سوريا.
ولكن إذا تم الإعلان عن النصر على داعش في عام 2017 في العراق، فبالتأكيد انتهت اللعبة، وحان وقت الرحيل وإرسال القوات إلى أوطانها؟
قد يكون من النمطي جداً القول إن جميع الأمور في الشرق الأوسط ليست بهذه البساطة ـ ولكن في هذه الحالة، فإن كل الصفائح التكتونية للجغرافيا، والسياسة الدولية والمحلية، والدين والتاريخ تصطدم، ممّا يجعل شيئاً بسيطاً على ما يبدو، مثل الانسحاب العسكري الكامل، غير مجدٍ ويؤدي إلى نتائج عكسية.
وبصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى، فإن داعش أنفسهم قد سقطوا ولكن لم ينتهوا: فالجماعة الإرهابية لم تعد تمتلك الأراضي، فيما الخلايا النائمة لا تزال قائمة، والجماعات التابعة للتنظيم تتوسع في بعض الحالات، وتواصل جمع الأموال على الرغم من إغلاق معظم طرق تمويلها التقليدية.
وفي صميم المحاولات الرامية إلى خلق عراق أكثر أمناً، توجد شراكة عسكرية: شراكة أثبتت فعاليتها بشكل مذهل في طرد البلطجية الدمويين الذين نعرفهم باسم داعش من المدن والأرياف التي استعمروها بلا رحمة منذ عام 2014.
كانت الشراكة – ولا تزال كذلك – بين قوة عسكرية دولية حقيقية، تعرف باسم “قوة المهام المشتركة” وقوات الأمن العراقية. من المهم أن نتذكر أن الحكومة العراقية قد دعت هذه القوة الدولية إلى العراق بهدف صريح، وهو المساعدة في تخليص أراضيها من داعش. القوات المتبقية هي فقط لأن هذه الدعوة لا تزال قائمة.
وكان هناك إدراكٌ مبكر أنه لاستدامة الأمن في العراق يتطلب ذلك تدريب قوات الأمن العراقية وتجهيزها على نحو أفضل. ولذلك، إلى جانب المساعدة في العمليات ضد داعش، وضعت قوات التحالف برنامجاً تدريبياً موازياً، والذي قد آتى أكله إلى درجة أنّ المدرّبين – ومعظم القوات العاملة – لم تعد هناك حاجة إليهم.
ولهذا السبب تم نقل 8 قواعد للتحالف إلى القيادة العراقية في عام 2020. وقد تم تدريب أكثر من 50 ألفاً من عناصر الأمن العراقي على مدى سنوات هذا الصراع. وأصبحت “مدرسة المشاة العراقية لضبّاط الصف الثاني” أول مؤسسة تدريب عسكرية تصل إلى القدرة التشغيلية الكاملة تحت سيطرة قوات الامن العراقية.
“عندما كانت قوات الأمن العراقية في شراكة مع قوات التحالف الدولي، اكتسبت الخبرة والقدرات، لا سيما في مجالات التدريب وجمع المعلومات الاستخباراتية والأسلحة. لذلك، نعتقد أن قدراتنا الآن أفضل من ذي قبل”. المتحدث باسم قوات الأمن اللواء تحسين الخفاجي.
ويقدم التحالف مساعدة متخصصة بدلاً من برامج التدريب ودعم العمليات في السنوات السابقة. وسيتم إنجاز هذا العمل المتخصص من خلال الفريق الاستشاري العسكري الذي تم تشكيله مؤخرا. وسيواصل الفريق توفير فرقٍ استشارية من الخبراء لمساعدة القوات العراقية في تخطيط العمليات، ودمج المعلومات الاستخباراتية، والدعم الجوي، ومراقبة العمليات العسكرية التي يقودها العراق ضد داعش. وتواصل قوات التحالف الشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية، عبر الحدود في شمال شرق سوريا، إلى جانب حماية المجتمعات المحررة من إرهاب فلول داعش.
لكن ليس للتحالف ميزة واحدة فحسب. وهو يدرك أنه من أجل منع داعش – والآخرين من أمثالهم – من العودة، يحتاج الشعب العراقي إلى الشعور بالأمان ورؤية بلده يزدهر من جديد. ويساعد التحالف في تنفيذ برنامج ضخم لإزالة الألغام غير المنفجرة وغيرها من الذخائر، ولكن بنفس القدر من الأهمية، يوفّر السيولة النقدية والخبرة لمشاريع التعليم ومخططات البنية التحتية وخلق فرص العمل.
وقد حررت هذه الشراكة – بين قوات الأمن العراقية والتحالف – ملايين الأشخاص على مدى آلاف من الأميال المربعة. لكن داعش لا يزال موجوداً، يتربص في الظلال – ولهذا السبب سيبقى التحالف هناك إلى جانب العراق حتى يختفي التهديد بشكل قاطع.