على الرغم من هزيمة داعش الإقليمية، لا يزال التدفق النقدي للجماعة الإرهابية من التجارة في الآثار المنهوبة موجود.
تبلغ قيمة سوق الآثار العالمي أكثر من 45 مليار دولار سنويًا حيث كان هذا السوق عنصرًا رئيسيًا في تدفق عائدات داعش. كانت قدرتهم على سرقة الآثار مدفوعة بالشهية العالمية للآثار غالبًا دون التحري عن الأصل. إن الإتجار غير المشروع (المعروف باسم “آثار الدم”) جعل هواة الجمع في جميع أنحاء العالم يقدموا المساعدة غير المقصودة لتمويل داعش، التي توصف أحياناً بأنها “أغنى مجموعة إرهابية نقدياً في العالم”.
سجل أعضاء داعش تدميرهم للتاريخ البشري الذي لا يقدر بثمن عبر تصوير مقاطع فيديو احتوت حملات الدعاية هذه على تفسيرات مشوهة لنصيحة النبي محمد لأتباعه بهدم الأصنام التي كان يعبدها الناس من دون الله.
نهب داعش وباع الآثار لتمويل رواتب قيادتها ولطموحاتها الإقليمية. وشملت الاستراتيجية تحفيز عمليات التنقيب غير القانونية في المناطق التي احتلتها. تم تشجيع السكان المحليين العاطلين عن العمل الذين يعيشون تحت احتلال داعش على نهب الآثار وبيعها خارج مناطق داعش لإطعام أسرهم ودفع داعش ضريبة “الخمس” بنسبة 20٪.
وهكذا جعل داعش الناس متواطئين في تجريد أنفسهم من التراث والهوية التي ربطتهم ببعضهم البعض، واستبدالها بنسختهم الرجعية للتاريخ.
في عام 2014، بعد أن أدرك نطاق استغلال سوق الآثار، بدأ داعش بالاستثمار في التنقيب عن طريق اختيار علماء وخبراء الآثار بعناية من أجل تحفيز نشاطاتهم وتعظيم الدخل، و عندما اكتسبت المعركة ضد داعش زخماً بالهجمات على مصادر الإيرادات الأكثر بروزاً، مثل النفط والماشية والمحاصيل، بدأ داعش أكثر فأكثر في تهريب الآثار، حيث قاموا بتشديد قواعد النهب غير المرخص وسيطروا على سلسلة التوريد – من الحفر إلى تقييم الأصول والبحث عن أفضل المنصات على الإنترنت لاستقطاب المشترين الأثرياء.
عادة يتم تهريب البضائع المنهوبة من سوريا عبر تركيا ولبنان، حيث يمكن للتجار المحليين هناك الاتصال بالوكلاء الأوروبيين، يتم غسيل الآثار القيمة وعادة يتم إعادة تدويرها عبر عدة موانئ حرة، والتي هي مستودعات معفاة من الضرائب تم إنشاؤها في الأصل لتخزين المواد الخام والسلع المصنعة لفترة وجيزة قبل رحلاتها القادمة، يستخدم هذا النظام من قبل بعض هواة الجمع والمعارض لتخزين الأشياء الثقافية بطريقة مشروعة دون دفع ضريبة القيمة المضافة أو الرسوم الجمركية. وكباقي كيانات الجريمة المنظمة الأخرى، استغل داعش هذا النظام لمصلحته الخاصة غير المشروعة، مما يضمن أثر ورقي مزيف ويضمن إبقاء البضائع خارج التداول لفترة كافية من الزمن لتفادي اكتشافها.
ونظرًا لعدم وجود بيانات كمية موثوق بها عن تجارة الآثار القانونية في المنطقة، فإن تحديد حجم وقيمة التجارة غير القانونية أمر مستحيل تقريبًا. لا توجد حتى الآن طريقة لمعرفة ما يتم التنقيب عنه من المواقع غير القانونية أو نهبها من المؤسسات الثقافية التي لا يوجد لديها معدات لتصنيف مجموعاتها بشكل صحيح.
على عكس سرقة النفط، فإن تهريب الآثار لم يقدم أبدًا تدفقًا نقديًا لداعش، ولم يقدم معظم الإيرادات المحتملة. و كجزء من استراتيجية داعش لإضعاف “الكفار”، من المحتمل أن يكون قد ترك الاتجار بالآثار إرثًا مدمرًا للغاية، حيث أن الأثر طويل الأمد لهذه السياسة ليس فقط على النسيج الثقافي والاجتماعي ولكن أيضاً على النواحي الاقتصادية المستقبلية عن طريق تقليل فرص السياحة الثقافية المستدامة في العراق وسوريا.
هناك حاجة إلى اعتماد نهج استراتيجي لتصدي جميع أنشطة الاتجار بالآثار والنهب المتعلقة بداعش بشكل منهجي.
يواصل التحالف الدولي العمل مع شركائه من الدول والمنظمات الخاصة، بما في ذلك الانتربول، والمجلس الدولي للمتاحف (ICOM)، وتحالف الآثار وغيرهم، لمعالجة هذا المصدر لإيرادات داعش والحفاظ على التراث الثقافي.
تتماشى هذه الجهود مع اليونسكو لعام ١٩٧٠ UNESCO اتفاقية بشأن الوسائل التي تستخدم لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة . تشمل المبادرات الضغط على الدول الأعضاء المستهدفة لتعديل التشريعات المتعلقة بتجارة الآثار وغسيل الأموال. في عام 2020، سيفرض الاتحاد الأوروبي قواعد جديدة تتطلب الشفافية من المعارض ودور المزادات على جميع المعاملات والمبيعات. إضافة إلى ذلك، فإن الشراكات مع ICOM ستمول تعليم مسؤولي الجمارك حول حماية التراث الثقافي في المناطق المنكوبة بالصراع. كما يحث الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء على نشر قواعد بيانات الإنتربول بشأن البضائع والآثار المسروقة. تم تنفيذ العديد من مبادرات وزارة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك برنامج “المكافآت من أجل العدالة” الذي يقدم ما يصل إلى 5 ملايين دولار للحصول على معلومات تؤدي إلى تعطل كبير في بيع و/أو تجارة الآثار والنفط من قِبَل، نيابةً عن، أو يفيد داعش.
ولمكافحة هذه المشكلة، يوصي التحالف الدولي ضد داعش بالعمل سوياً لتطوير حلول ملموسة وعملية لصانعي السياسات، بناءً على حقائق اقتصادية وثقافية وسياسية.
من بين جوانب نهج قوي متعدد الأطراف والذي يمكن أن يُغذّي جهود التحالف في المستقبل للتصدي للإرهابيين الذين يستفيدون من “آثار الدم” الأفكار التالية، والتي تهدف إلى معالجة المشكلة:
- الاتفاق على مناهج مشتركة لتطوير ضوابط حدودية أكثر صرامة وتدريب شرطة الحدود والمسؤولين على كيفية تحديد الآثار وإجراء فحوصات أولية على الأشياء لتقييمها لمعرفة إذا كانت بحاجة لمزيد من التحقيق أو لضبطها.
- اتفاقيات مشتركة بين الدول الأعضاء ذات الصلة للسماح بالوصول إلى موانئ حرة ومساحات أخرى مشتبهه أن تكون مستهدفة كمساحات لغسيل “آثار الدم”.
- يمكن للدول التي تعتبر مقصدًا لتجارة الآثار “بلدان التجارة” أن تلعب دوراً حاسماً في تنظيم الطلب من خلال حظر نقل وبيع واقتناء واستيراد وتصدير الآثار، والحفاظ على رادع فعال لمثل هذه الأنشطة وتنفيذ آلية لرد وإعادة الأشياء الثقافية.
- حملات توعوية في جميع الدول الأعضاء لتثقيف تجار الآثار وهواة الجمع والأكاديميين ودور المزادات والمتاحف حول مسألة التمويل غير المباشر للإرهاب نتيجة عمليات الشراء دون التحري الشامل.
- يمكن للتحالف أن يوفر الوصول للتدريب في نقطة الأصل داخل البلدان المنكوبة بالصراع مثل العراق وسوريا لدعم كادر الأمناء وعلماء الآثار حتى يتمكنوا من فهرسة وتصنيف وحماية مجموعاتهم الحالية من النهب في المستقبل.
- عند نقطة البيع، لا بد من الحفاظ على فهارس محدثة تحتوي على بيانات العناصر المسروقة المعروفة (عبر منصات مثلArt Loss Register) لتمكين تحديد المواد أثناء ظهورها على الإنترنت أو في بيوت المزادات أو في أماكن أخرى. هذه الفهارس يمكن أن توفر تفاصيل عن القطع الأثرية المعروفة بأنه تم أخذها من المتاحف بطرق غير مشروعة أو نماذج مصورة لأنواع القطع الأثرية التي يُحتمل أن تكون قد نُهبت من المتاحف أو المواقع.
“هذه المادة جزء من حملة أوسع تسلط الضوء على جهود التحالف الدولي في مكافحة التمويل. يمكنك متابعة الحملة على توتير عبر #حظر_تمويل_داعش، أو على موقع التحالف الدولي باستخدام هذا الرابط.”