تبعث محافظة الأنبار في النفس الكفاح لتخليص العراق من آفة التطرف العنيف. وبالرغم من ذلك ومنذ التحرر من داعش على أيدي قوات الأمن العراقية بدعم من التحالف الدولي في عام 2017، فقد غدا هذا المعقل السابق مثالاً بارزاً على كيفية إعادة الشعب العراقي بناء حياته تحت مظلة قوات الأمن العراقية. ولقد استعادت مجتمعات الأنبار المحلية حياتها الطبيعية في معظم أرجاء المحافظة، مع صون مدينتي الرمادي والفلوجة، اللتان عانتا الكثير أثناء بطش احتلال داعش.
تُعدُّ الأنبار أكبر محافظة في العراق وأقلها كثافة سكانية. وقد وفرت المساحات الشاسعة من الصحارى والحدود الطويلة مع السعودية، والأردن، وسوريا مرتعاً خصباً لداعش بينما كانت قوته وشوكته تتعاظمان بسرعة، إذ بلغتا ذروتهما مع الاستيلاء على عاصمة الأنبار، الرمادي، في أيار/مايو عام 2015. حتى عندما بدأ داعش يعاني من الهزائم في ساحات القتال على أيدي قوات الأمن العراقية، وفي الأخص خلال تحرير الرمادي وبعدها الفلوجة، شكَّلت مساحة الأنبار الكبيرة ملاذاً دائماً مكّن التنظيم من التلويح بقوته وعقيدته المعوجَّة دون رادع، ومن إعادة تشكيل قواته وشن هجمات على قوات الأمن العراقية والشعب العراقي.
في عام 2017، شنت قوات الأمن العراقية، بدعم من شركائها في التحالف الدولي، هجومها الأخير على غرب الأنبار حتى الحدود مع سوريا. وبعد معارك ضارية، سيطرت القوات العراقية على معاقل المسلحين المتبقية في صحراء الجزيرة، وأعلن النصر في التاسع من كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه. ومنذ ذلك الحين، واعترافاً بنصر قوات الأمن العراقية على داعش في الأنبار، تم تخصيص العاشر من كانون الأول/ديسمبر يوماً وطنياً في العراق.
رغم هزيمته على الأرض في كانون الأول/ديسمبر 2017، واصلت فلول داعش تعكير حياة سكان الأنبار. ولكن، عندما شاهد سكان الأنبار تضحيات قوات الأمن العراقية بالنيابة عنهم في تحريرهم من مقاتلي داعش، أدى الاحترام المتبادل إلى التعاون، لا سيما في تبادل معلومات استخبارية حساسة احتاجتها قوات الأمن العراقية لاجتثاث فلول داعش من أرجاء المحافظة كافة على نحو ممنهج. ولقد تم الاعتراف بتلك العلاقة هذا العام، عندما تفوقت قيادة عمليات الأنبار على المحافظات العراقية الأخرى الثمانية عشرة ليتم تصنيفها في المركز الأول من حيث المهنية والكفاءة في جهود مكافحة الإرهاب. وأقر قائد عمليات الأنبار، ناصر غنام، بأن الجائزة ”… تم تحقيقها من خلال الجهود والتضحيات العظيمة للقوات العراقية المنتشرة عبر هذه المنطقة الواسعة، وكذلك من خلال التعاون وتبادل الاستخبارات الوثيقين مع المدنيين.“ وواصل قوله ”إنهم [أي مواطنو الأنبار] يقدمون لنا المعلومات حول أي مركبات جديدة تأتي إلى مناطقهم، وحول الأجسام، العناصر أو الأنشطة المجهولة،“ واعترافاً بالتزام السكان بدعم قوات الأمن العراقية:
”لدي مليون مقاتلٍ من الشباب والقبائل وهم جاهزون لدعم قوات الأمن العراقية والجيش عند الحاجة.“
واليوم، مكّن التحسن الكبير للوضع الأمني في الأنبار، قوات الأمن العراقية من إطلاق سلسلة مبادرات لاستعادة الحياة الطبيعية للسكان. وتشمل هذه المبادرات رفع حظر التجول الليلي والذي كان نافذاً منذ عام 2003، وإعادة انتشار القطع العسكرية بعيداً عن المحافظة، وإعادة فتح الطرق السريعة والطرقات الرئيسية حتى يتسنّى للمواطنين السفر بحرية وسلام مرة أخرى إلى المحافظات العراقية الأخرى وما بعدها. وتعمل قوات الأمن العراقية عن كثب مع المنظمات الإنسانية في توزيع المساعدات على العوائل المعرضة للخطر وقد فتحت عدة مشافٍ ميدانية لتوزيع المساعدات الطبية على عدد من الناس الأكثر عوزاً وبؤساً في الأنبار.
لكن، وبالرغم من لفظه أنفاسه الأخيرة، لا يزال داعش قادراً على شن هجمات فتَّاكة، والذي ظهر في العملية التفجيرية المزدوجة التي حدثت في سوقٍ مكتظة في بغداد. وحصد الهجوم أرواح ما يزيد عن 30 مدنياً. كانت استجابة قوات الأمن العراقية سريعة وحاسمة، من خلال شن عملية “ثأر الشهداء” في اليوم التالي فوراً. وبالفعل، أُسِرَ عشرة من كبار قادة داعش، وقتل العقل المدبر لتفجيري سوق بغداد أبو حسن الغريباوي بضربة دقيقة ومشتركة بين قوات الأمن العراقية والتحالف الدولي قرب أبو غريب.
اليوم، يبدو لافتاً ذلك التحول الأمني في محافظة الأنبار، التي كان يتمتع داعش فيها بحرية شبه كاملة للحركة. فبدعم شركائها الدوليين في التحالف الدولي، واحترام واحتضان السكان المحليين الممتنِّين، تدرك قوات الأمن العراقية أنه لا يوجد مخبأ بين مدن الأنبار وصحاريها الواسعة لفلول داعش المحبَطة والبائسة. وسوف تتم مطاردتهم وتحييدهم من أجل تأمين مستقبل الأنبار.