خلال الـ 18 شهراً المنصرمة وحدها، أسفرت عمليات قوات الأمن العراقية مجتمعة عن مقتل أو اعتقال خمسة من كبار قادة داعش في العراق (انظر الصورة أدناه). وقد مكّن التعاون القوي بين مختلف عناصر قوات الأمن العراقية من توجيه عدد من الضربات الموجعة إلى داعش، مما وضع التنظيم تحت ضغط كبير.
“من خلال هذا الجهد الموحد، تمكننا من تحقيق نتائج مهمة وقتل قادة داعش. ففي أقل من أسبوعين، قتلنا أكثر من 30 إرهابياً”، يؤكد اللواء تحسين الخفاجي، المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في مقابلة أجراها فريق التحالف الدولي معه مؤخراً.
وهنا نشير إلى جهازين داخل قوات الأمن العراقية، وهما: جهاز مكافحة الإرهاب وجهاز المخابرات الوطني العراقي، اللذين ركّزا على استبعاد كبار قادة داعش من ساحة المعركة. ومن بين العمليات الناجحة مؤخراً، برز الدور الذي لعبته المخابرات العراقية في العملية التي قادتها الولايات المتحدة وأسفرت عن مقتل زعيم داعش محمد المولى، المعروف أيضًا باسم أبي إبراهيم الهاشمي القريشي.
من مداهمة جهاز مكافحة الإرهاب التي نفذها عام 2010 والتي أسفرت عن مقتل قياديَّيْ داعش أبو أيوب المصري وأبو عمر البغدادي واعتقال 16 إرهابياً آخرين، وصولاً إلى نجاحاته الأخيرة. هذه الحرفية العالية، والتدريب عالي الجودة مع المهارات العسكرية الاحترافية التي يتمتع بها جهاز مكافحة الإرهاب، أكسبته سمعة كواحد من أقوى قوات العمليات الخاصة في المنطقة متوجةً إياه بلقب “القسم الذهبي”.
إن النهج المتكامل بشكل محكم، والذي تم تطويره بين جهاز مكافحة الإرهاب وجهاز المخابرات الوطني العراقي ووحدة مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية (الملقبة بخلية “فالكون، Falcon” للاستخبارات)، يعني أنه لا يوجد مكان آمن ليختبئ فيه داعش ضمن حدود العراق. حتى عندما يختبئ قادة داعش خارج الحدود العراقية، فلا مفر لهم من حكم العدالة. فقد قاد جهاز مكافحة الإرهاب مؤخرًا عملية سرية للقبض على كبير ممولي داعش – ونائب أبو بكر البغدادي السابق – سامي جاسم محمد الجبوري في شمال سوريا. وجرى الاعتراف بالقبض على الجبوري على المستوى الدولي بصفته “أحد أهم الإنجازات في مكافحة داعش خلال السنوات الأخيرة”، ما يثبت أنه لا مجال للهرب من جهاز مكافحة الإرهاب وجهاز المخابرات الوطني.
ولا تقتصر عمليات مثل هذه على إزاحة الأفراد الخطرين من ساحة المعركة أو عرقلة قدرة داعش المتناقصة باستمرار على شن الهجمات فحسب. بل من شأنها مساعدة جهاز مكافحة الإرهاب في جمع معلومات استخباراتية. فمثلاً، زعيم داعش المقتول مؤخراً كان مستعداً لخيانة رفاقه، إذ إنه و بسهولة أدلى بمعلومات حساسة عنهم عندما كان معتقلاً. تتم معالجة هذه المعلومات الاستخباراتية بعد ذلك من قبل قوات المخابرات العراقية للتخطيط لمزيد من العمليات، ما يجعل القبض على قادة داعش ركيزة أساسية للغاية بالنسبة إلى جهاز مكافحة الإرهاب في الحملات التي يقودها.
وقد أدى افتقار داعش للنزاهة، إلى قيام عناصره بتزويد جهاز المخابرات الوطني العراقي بمعلومات استخبارية حيوية في أوائل عام 2021، مكنت القوات الأمنية من إطلاق عملية بقيادة جهاز المخابرات ضد ما يسمى بـ “والي” أو “محافظ” العراق، أبو ياسر العيساوي، بعد أيام من قيام تنظيم داعش بتفجير انتحاري مزدوج في بغداد. كما أسفرت الضربات الجوية المنسقة من قبل القوة الجوية العراقية بدعم من التحالف عن مقتل 10 إرهابيين آخرين. وبعد أيام قليلة، أدت عملية ثانية إلى القضاء على زعيم كبير آخر لداعش، أبو حسن الغريباوي، إلى جانب أحد عناصر داعش الذي كان مسؤولاً عن نقل مفجرين انتحاريين إلى بغداد من مخابئ الطارمية. وذلك يشير إلى أن سرعة وفعالية هذه العمليات تسلط الضوء على النهج التعاوني لجهاز مكافحة الإرهاب وجهاز المخابرات الوطني الذي يستغل إخفاقات داعش ويضمن سلامة العراقيين في المستقبل.
على الرغم من كل نجاحاتها، لن تستكين قوات الأمن العراقية. إذ أعرب رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفريق عبد الوهاب الساعدي مؤخراً عن طموحاته في الخدمة مع رئيس أركان الدفاع في القوات المسلحة الإسبانية، الذي اتفق على الحاجة المستمرة للوقوف موحدين في مواجهة الإرهاب والقضاء على منابعه في جميع أنحاء العالم. وفي ظل وجود قوات أمنية ذات احترافية عالية، مجهزةٍ بأسلحة متطورة، يبدو المستقبل قاتماً بالنسبة للإرهابيين المتبقين في العراق. فجهاز مكافحة الإرهاب وجهاز المخابرات الوطني سيستمران في مطاردة أولئك الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بالعراق وأهله. فمع الدعم الذي يتلقيانه من شركائهما الدوليين في التحالف الدولي، لن يكون للإرهابيين مكانٌ يختبئون فيه، ولا ملاذاً آمناً يؤويهم. فالعدالة لهم بالمرصاد.