صوب الدواعش البندقية إلى والدها وسألوها: هل توافقين؟ اشتريت حياة والدي بالزواج!

ليس لدى كوثر الكثير لترويه عن نفسها إلا في الفترة التي حكمت فيها داعش من 2014 وحتى شباط 2016 . تقول كوثر إنه خلال هذه المدة باتت محور حدث خطير بين عائلتها وبين عناصر من تنظيم داعش.

لا يوجد إخوة لدى كوثر، فوالدها البالغ من العمر الآن 65 عاماً خلف خمسة بنات من أمها التي توفيت قبل سنوات. وتقول كوثر إن عائلتها معروفة بعدم إثارة المشاكل أبداً ولديهم سمعة مسالمة، إذ أن العائلة التي لا شباب لديها تكون غير طموحة إلى المكانة التي تأتي عبر القوة. في هذه البيئة أنشأ والد كوثر الحاج عمر عائلته ولم يغادر للعيش خارجها أبداً حتى مع القوى الأربعة التي حكمت القرية.

جرت العادة أن لا يدخل عناصر التنظيم منازل أهل القرية إلا في حال كان هناك ما يستدعي ذلك، مثل التفتيش أو دعوتهم إلى وليمة. لكن، في ظهيرة إحدى تلك الأيام طرق أحدهم باب المنزل. فتح والدها الباب واستأذنته امرأة ترتدي لباساً أسود بالكامل. كشفت الغطاء عن وجهها حين دخلت إلى المضافة، فتحت المرأة الموضوع الذي جاءت من أجله. تبحث المرأة عن فتاة “عذراء” لأحد مقاتلي التنظيم.

تقول كوثر: “لم تخبرني المرأة الداعشية ما هي مهامها. فقط علمت أنها جاءت من الشدادي وأن اسمها أم زبير، لكن لاحقاً علمت أنها تعمل خطّابة لمقاتلي التنظيم. بالأحرى هي كشافة، تزور البيوت للتعرف على البنات واختيار من يروقها من النساء”.

تفحصت أم زبير بنظرات ثاقبة كلاً من كوثر وشقيقتها وعد (23 عاماً) وابنة عمها نسرين (27 عاماً). هناك شقيقتان لكوثر تزوجتا منذ سنوات، وهن الأكبر سناً.

علمت كوثر أنها راقت  للخطابة الداعشية، وشعرت بالخوف حين علمت أن عريسها المحتمل ليس سورياً بل ليبي. وهناك سمعة تسري للمقاتلين الأجانب في المنطقة، وهو عدم حبهم للالتزام في علاقات الزواج، وتكرار حالات الطلاق، ورغم أنه لم يكن قد مضى على التنظيم سوى شهور في منطقة الشدادي، إلا أن قصص الزواج باتت تتصدر أحاديث النساء.

تهربت كوثر من الإجابة عن سؤال أم زبير لها عن رأيها في هذا العرض. قالت: “الرأي لوالدي”. لاحقاً ستدرك كوثر أنها وضعت والدها المسن في موقف محرج، وسيكون الحل أن تقوم بإزالة الحرج عنه.

أطلعت كوثر والدها على الأمر، فبات مهموماً مكدر المزاج من الموقف الذي ينتظره. هل يرفض؟. وماذا لو أصروا على أخذ الفتاة؟. هل يوافق إذاً؟.

تجيب كوثر: “أعلم أن والدي لن يقبل. من لديه عائلة من البنات يكون أكثر حرصاً عليهن مقارنة مع العائلات التي لديها كثرة من الذكور. كنت أعلم أن والدي سيرفض، لذلك قلت للمرأة الداعشية أن القرار لوالدي”.

بعد صلاة الفجر تتوقف سيارة رباعية الدفع أمام منزل “أبو عمر”، والد كوثر. يترجل أربعة من المسلحين الملتحين. كانت كوثر قد أعدت الشاي فور جلوس “الضيوف”. وكونها تعلمت القواعد، فإنها طرقت على كأس فارغ بالمعلقة عدة مرات كإشارة لوالدها أن الشاي جاهز.

تحدث رجل في الثلاثينات من داعش طالباً منه يد ابنتها. وطمأنه بأن يأخذ وقته ويتشاور مع العائلة، وأنه “لاشيء غصب في الدولة الإسلامية”.

تحدث أبو عمر المرتبك وهو في حالة وجوم وعيون تبرق من الحرج. تقول كوثر إن والدها كان محرجاً منها وليس من هؤلاء الغرباء. تحدث أبو عمر بالصيغ التقليدية للمماطلة قائلاً: “يا شيخي.. إذا كان لك فيها نصيب رح تاخدها، وإذا ما كان لك فيها نصيب.. فالزواج ترى قسمة من عند الله”.

هنا تغيرت ملامح “العريس” وتحدث بلهجة عدائية عن أساليب الشرك التي يتبعها الأهالي في الزواج، ومنها الرفض باسم القسمة والنصيب. وألقى محاضرة عن أن “الزواج ليس نصيباً أو مندل، بل ركن للحياة يكتمل به ديننا”. قال كلامه وانصرفوا مكررين أنهم يريدون رأي الفتاة، ولم يحددوا المهلة.

تتفاجأ كوثر أنه بعد ساعتين فقط يعود هؤلاء جميعاً. طلبوا من والدها أن يجلس في زاوية البيت وأن لا يتحدث مطلقاً. ولكي يظهروا جدية في الأمر وجه أحدهم بندقيته إلى رأسه لكي لا يتدخل. نادى رجل منهم كوثر ليسألها عن رأيها.

تقول كوثر: “رأيت البندقية مصوبة إلى رأس والدي عبر شق في الملاءة التي تفصل غرفة الضيوف عن الغرف الأخرى. سألني رجل منهم: يا أختي .. هل توافقين على ربيع زوجاً لك؟. كان جوابي أن الرأي رأي والدي. قلت هذا الكلام لاعتقادي أن هذا سيخفف عنه التهديد ويجعل الدواعش يهتمون لأمره. لكن جاءني الرد فوراً منهم: أبوك موافق، ونحن ننتظر رأيك”.

نزلت دمعة من عين كوثر حين سمعت ذلك. وأجابت أنها موافقة طالما والدها موافق. تقول كوثر إنها لم تجد خياراً سوى القبول: “لقد اشتريت حياة والدي بهذا الزواج”.

ترفض كوثر الحديث عن تفاصيل علاقتها بالرجل الليبي “ربيع”، فهي بعد ثلاثة شهور من زواجها وإقامتها في منزل خصصه التنظيم لزوجها في الشدادي عادت إلى منزل أبيها “مطلقة”.

تقول إنها لم ترتكب خطيئة بحقه رغم عدم تحول العلاقة إلى مشاعر ودية. حاولت كوثر الحفاظ على حياتها الزوجية كأي امرأة تعيسة لكن راضية بقدرها. لكنها مهدت للطلاق بعدة أمور. باتت ودية تجاه زوجها الداعشي، وحتى حين جلب سبية إلى البيت قامت كوثر بمعاملتها بشكل جيد. استثمرت كوثر هذه الحالة الإيجابية لتكسب هدوءه حين تعرض عليه ما تفكر فيه: “طلبتُ الطلاق”.

حصلت كوثر على الطلاق بعد تعذيب أليم نالها في كل أنحاء جسدها. تحولت ممارسة الجنس من أمر طبيعي في الزواج إلى حالة اغتصاب سادية ممتعة له. بقيت على هذه الحال أسابيع، ظهرت جروح غائرة في جسدها. عاد الزوج المغتصب وسألها بنفسه: هل ما زلت تريدين الطلاق؟. قالت “نعم.. اليوم وبعد ألف يوم الجواب نفسه.. نعم”.

تختم حديثها بالقول: اشتريت حياتي والدي بالزواج وربحت. واشتريت حياتي بالاصرار على الطلاق .. وربحت رغم العلامات التي سترافقني طيلة عمري.

 

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك, يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد