بحلول الوقت الذي تدخلت فيه القوات الأمريكية مباشرة ضد داعش في آب 2014 كانت تواجه بالفعل تنظيماً إرهابياً ذات قدرة غير مسبوقة على إدارة نفسه بنفسه من خلال الموارد التي يمكن أن يسلبها من الأراضي التي احتلها. وعلى عكس القاعدة في العراق أو طالبان، لم يكن داعش يعتمد على الدعم الخارجي.
وفي صلب محاولة داعش للحصول على الاستقلال المالي – والقوة العسكرية والسياسية التي ستأتي معها – كان النفط.
تمكن داعش بسرعة من التحكم في إنتاج ما يزيد عن 70,000 برميل يومياً من الإنتاج الفعال للنفط وبدأ بزيادة إيرادات النفط بحوالي 50 مليون دولار شهرياً.
في ذروته، شكل النفط نحو نصف عائدات داعش لكنه يمثل أكثر من المال.
لقد كان شريان الحياة لخرافة الخلافة مما سمح لداعش بالحفاظ على ذريعة الحكم. لقد وفر داعش الوقود الرخيص الجاهز للسكان الذين سيطر عليهم كرهينة ومكّن النفطُ التنظيمَ من توفير أجور المقاتلين والعمال ووفر النفط وسائلَ لاستيراد كل شيء من الطعام إلى المقاتلين الأجانب.
سرعان ما بدأ التحالف، الذي تم أنشأ في تشرين الأول 2014، باستهداف حقول النفط الفردية الخاضعة لسيطرة داعش وسرعان ما حطم قدرة المصافي على التكرير في معظم أنحاء سوريا مما تسبب في ارتفاع الأسعار ضمن الأراضي التي كانت تحت سيطرة داعش.
ولكن قبل مرور فترة طويلة عاد قطاع النفط الداعشي إلى العمل.
بدأت مجموعات مصافي التكريرالأساسية صغيرة الحجم – وهي بشكل أساسي صهاريج فولاذية يتم تسخينها فوق بركة من زيت الوقود المحترق – بالظهور لتزود الأسواق المحلية بالوقود والماوزت ومادة النفتا كبديل خام وجاهز عن البنزين. واستمرت حركة قوافل الشاحنات الصهريجية – المئات في المرة الواحدة – عبر مساحات شاسعة من الأراضي القاحلة بين منشآت النفط والمدن. كما ضاعف التنظيم من الجهود لزيادة الإنتاج وصادرات النفط الخام حيث بلغت صادرات النفط إلى نظام الأسد بشكل مستمر حوالي 20 ألف برميل في اليوم.
بعد عام من القصف المنتظم، كان داعش لا يزال ينتج حوالي بين 40,000 إلى60,000 برميل في اليوم ، وهو ما يكفي لحصد ما يقرب من 30 إلى 50 مليون دولار شهرياً من العائدات في حين استمر إنتاج النفط بتلبية احتياج السكان المُقيدين وبتأجيج آلة الحرب. ولا يزال بإمكان الناس في معظم المدن الحصول على الكيروسين الرخيص لأغراض الطهي والوقود الخام والمجهز لسياراتهم وما يكفي من الوقود لتشغيل المولدات للحفاظ على الأنوار.
أبو سياف
لقد كانت نقطة التحول هي غارة قوة دلتا في أيار 2015 على مجمع في حقل العمر في دير الزور وهي أول مداهمة مؤكدة للقوات الخاصة الأمريكية ضد مسؤول كبير من داعش ضمن الأراضي التي تسيطر عليها داعش. لقد كان الهدف هو فتحي التونسي المعروف باسم أبو سياف. كان أبو سياف يدير ديوان الموارد الطبيعية في داعش وهذا الديوان يدير كامل عمليات داعش النفطية.
بالإضافة إلى قتل أبو سياف والقبض على زوجته، تم إطلاق سراح أسير يزيدي محتجز من قبلهم وتم استرداد مجموعة كبيرة من الملفات والبيانات بسعة تيرابايت وقد أثبتت هذه البيانات أنها ليست أقل من خريطة اقتصادية لكيفية عمل داعش.
لقد طوّر أبو سياف بنية متطورة لعمليات النفط كانت قادرة على مواجهة هجمات التحالف حيث عمل عدد كبير من المهندسين يصل عددهم إلى 2000 مهندس على إصلاح الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية وظل أسطول ضخم من شاحنات الصهاريج مع السائقين مستعدين للتعرض للمخاطر بهدف نقل النفط.
لقد تبنى أبو سياف نظاماً بسيطاً، وعلى الرغم من أنه كان تحت إشراف شديد إلا أنه أبقى على سعر السوق في جوهره مما سمح لداعش بإدارة سلسلة القيمة النفطية دون الحاجة إلى تشغيلها بالكامل. حيث يبيع داعش النفط الخام بأسعار محددة مباشرة من فوهة البئر إلى الوسطاء الذين سيستمرون في تكريره محليًا أو تصديره ويفرض داعش ضرائب على كل جزء من التوزيع والتكرير والبيع في نهاية المطاف. تمت معايرة الأسعار والجباية الضريبية لتشجيع التداول والتوزيع المُدار من قبل المدنيين. كان لأبو سياف عميل ثابت لشحنات النفط الخام متمثلاً في نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
موجة المد والجزر 2
انطلاقاً من اللمحة المتحصلة من ذاكرة التخزين الخاصة بأبو سياف، تم إدراك كلاً من أهمية نقل المعركة الاقتصادية إلى داعش وإيجاد طرق جديدة لكيفية القيام بذلك. أطلق التحالف عملية موجة المد والجزر 2 في أكتوبر 2015 (تم إحياء الاسم من عملية في الحرب العالمية الثانية تستهدف البنية التحتية النفطية النازية).
شهدت موجة المد والجزر الثانية تصاعداً هائلاً في كمية وتنوع الضربات التي بُنيت على أساس الإدراك بقطاع النفط الداعشي كجزء أساسي من قوتها حيث استهدفت المئات من الغارات الجوية حقل نفط العمر مستهدفة أجزاء يصعب استبدالها في عمليات النفط ، مثل أجهزة فصل الغازعن النفط وفتحات التحميل إلى الشاحنات، التي تعرضت للضرب بشكل متكرر لمنع الإصلاحات وقد انخفض الإنتاج من حوالي 30,000 برميل في اليوم إلى حوالي 10,000 برميل في اليوم.
عموماً، استُخدمت الذخائر الصغيرة ذات الانفجار المنخفض لتجنب حرائق الآبار وتخفيف الخسائر البشرية والأضرار البيئية. وقد وضع مخططو هجمات التحالف ضربات صغيرة ودقيقة يمكن أن تجعل إنتاج النفط في وضع خارج الخدمة لعدة أسابيع أو أشهر بدلاً من أيام.
لقد سعى التحالف إلى استنزاف قيمة النفط الداعشية بدلاً من إنهاء إنتاج النفط تماماً. فبعد شهر من الحملة انتقل التركيز من آبار إلى الأسطول المكون من حوالي 2500 ناقلة يديرها معظمهم مدنيون والتي اعتمد عليهم داعش في تحويل النفط إلى نقود، حيث تم قصف 400 شاحنة على الأقل في تشرين الثاني وحده.
وأصيبت ناقلات النفط أينما تجمعوا حيث تم إسقاط المنشورات مُسبقا لتحذير السائقين المدنيين والحد من الإصابات. كان الهدف هو تدمير الشاحنات وطرد الوسطاء المدنيين خارج قطاع أعمال النفط الداعشية. واختفت بسرعة مئات القوافل الممتدة حول حقول النفط في العراق وسوريا، وبحلول نهاية العملية تم تدمير حوالي 1000 شاحنة صهريجية حيث دُمر منها أحياناً 100 شاحنة أو نحو ذلك في مرة واحدة.
إن المكاسب الأولية لنهب النفط لا يمكن تكرارها عندما سارع المقاتلون لسحب كميات هائلة من النفط والوقود المتضرر من خطوط الأنابيب ومنشآت التخزين التي تم احتلالها. في العراق، افتقر التنظيم إلى الموظفين التقنيين اللازمين لإدارة المنشآت الكبيرة على النحو المأمول كما أن الإنتاج من حقول دير الزور كان آخذاً في الانخفاض.
لقد استُنفذ قطاع النفط الداعشي حيث انخفضت العائدات إلى النصف بحلول نيسان 2016 وفي تشرين الأول 2017، قبل أن يفقد داعش جميع أراضيه في العراق، قدّر التحالف أن عائدات نفط داعش تراجعت بنحو 90 بالمائة عن وقت ذروتها منخفضةً إلى حوالي 4 ملايين دولار شهرياً.
لقد قلصت موجة المد والجزر الثانية قطاع داعش النفطي إلى بالكاد خدمة الطلب الداخلي وأصبح الوقود بالنسبة للمدنيين أغلى وأقل جودة وصعبَ المنال. لقد تعطلت مولدات الوقود في الأحياء تاركة المدن تغرق في الظلام. ومع تضاؤل عائدات النفط قلصَ داعش من إنفاقه عن طريق خفض الرواتب وزيادة أعمال الابتزاز والمصادرة من الناس الذين تُركوا بالفعل ولم يبق لديهم إلا القليل.
من خلال حرمان داعش من استخدام منشآت النفط، قطعَ التحالف شريان الحياة الاقتصادي للجماعة الإرهابية وبدون ذلك انهارت ذريعة الدولة القادرة.
“هذه المادة جزء من حملة أوسع تسلط الضوء على جهود التحالف الدولي في مكافحة التمويل. يمكنك متابعة الحملة على توتير عبر #حظر_تمويل_داعش، أو على موقع التحالف الدولي باستخدام هذا الرابط.”