حيدر جمعة الحمو، فنان تشكيلي سوري من مدينة الرقة، عبر من خلال تجربته الفردية عن المراحل التي مر بها الفن والنحت طيلة فترة احتلال التنظيم للمدينة. قبل احتلال الرقة، عمل حيدر على نحت وتصوير عشرات التماثيل الحجرية مع والده الذي ورث عنه فن النحت. لكن حلمه اصطدم بمعايير تنظيم داعش الذي منع جميع أنواع الفنون من رسم ونحت وموسيقى، ولاحق الفنانين وفرض عليهم عقوبات كبيرة.
حيدر اليوم، يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً كان والده قد اكتشف موهبته عندما كان في الثانية عشرة من عمره بعد أن رأى مجموعة من الرسومات التي كان الصغير يرسمها هنا وهناك، فعمل على صقلها وتطويرها. وبالفعل، استطاع في ذلك العمر أن يشارك بلوحة من إنتاجه في معرض أقيم في المملكة العربية السعودية. كانت اللوحة تصوَر بيوتاً مهدمة ومجموعة من الدبابات.
استمر حيدر في تطوير موهبته بحب وإصرار، وأنجز العديد من اللوحات والتماثيل الحجرية، فكان على وشك المشاركة في أحد المعارض بأكثر من ٦٠ لوحة. لكن احتلال داعش للمدينة تسبب في إلغاء المعرض فدمر حلمه وحلم جميع فناني الرقة، بل إن حيدر اضطر إلى إخفاء لوحاته عن أعين داعش خوفاً من القتل. “والفنانين بالرقة أكثرهم خافوا، نصهم طلعوا، بس احنا ضلينا بالبيت انا وأبي وننحت وندم، نخبي القطع مشان ما ينسرقوا” يقول حيدر.
استمر حيدر في النحت والرسم سرّاً طوال فترة سيطرة داعش على المدينة. إذ كان يضطر إلى إخفاء جميع القطع المنحوتة عبر دفنها تحت التراب خوفاً من أن يكشف داعش أمره. فالتنظيم في تلك الفترة محا وجه المنطقة الحضاري والثقافي، فدمر آثارها وسرق بعضها وباعها في السوق السوداء بمبالغ لا تساوي قيمتها. الفن والآثار كانا ضحية فكر التنظيم، إذ طال تخريب تنظيم داعش ما يزيد عن ٣٠ موقعاً أثرياً في سوريا والعراق. لكن، بعد تحرير الرقة على أيدي قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي في تشرين الأول/أكتوبر 2017، عاد حيدر إلى شغفه وموهبته التي لطالما انتظر أن يعود إليها، فعاد إلى إنتاج اللوحات والمنحوتات.
أولى منحوتاته لدى عودته من السعودية إلى الرقة في أعقاب تحرير المدينة عام 2017، كانت لوحة تصور واقع المدينة المدمر جراء فترة داعش. استوحى حيدر هذه المنحوتة من عدد من الصور التي التقطها والده بعد تحرير المدينة. فعملا على دمج هذه الصور في منحوتة تحكي قصة مدينة واجهت تنظيم داعش ونفضت عنها غبار الحرب لتستعيد عافيتها من جديد.
خلال فترة الحجر المنزلي الذي فرض على المدينة بسبب جائحة كورونا، إلتزم حيدر بيته، ولكنه استغل وقته في إنتاج لوحاته الفنية في فسحة منزله. وهو اليوم يدعو جميع الشباب والشابات أن يعملوا على اكتشاف وتطوير المواهب الدفينة داخلهم، وأن لا يسمحوا لأي ظرف أو أي شخص بالوقوف أمام حلمهم. اليوم، أصبح الفنان الشاب ينتج العديد من اللوحات والمنتجات، وعاد كسائر الفنانين إلى بث الحياة في الرقة عن طريق الفن.