عندما هرب خليل الجبوري من داعش، وجد أن إقامة منزل جديد في تكريت أكثر تعقيدا مما كان يتوقع. وبعد أن هرب من منطقة كانت تحت سيطرة داعش، احتاج إلى عشرة تواقيع من مرجعيات مختلفة لجعل قوى الأمن تعتبر أنه لا يشكل أي تهديد. ويقول واصفاً عملية الحصول على التواقيع أنها عملية “استغرقت أكثر من شهر.”
وبفضل مشروع الشرطة المجتمعية، لا يحتاج النازحون داخليا إلا إلى أربعة إشارات أو تواقيع من هذا القبيل للحصول على تصريح أمني. ولقد قامت المنظمة الدولية للهجرة، التي تعمل بناء على طلب من الحكومة العراقية وبدعم مالي ألماني، بإعداد المشروع.
يقول الجبوري: “يشعر أقاربي الآن أن بإمكانهم القدوم إلى هنا. أتمنى لو كان لدينا جهاز شرطة مثل هذا في جميع انحاء العراق”.
ويهدف مفهوم الشرطة المجتمعية إلى استعادة الثقة في الدولة والحكومة العراقية من قبل الناس في المناطق المحررة من داعش. والفكرة هي أن الشرطة المجتمعية سوف تمكن العراقيين من تجربة وجود ضباط شرطة يخدمون مجتمعاتهم المحلية، ويساهمون في تقديم الدعم للسكان المحليين ومساعدة العائدين على التغلب على خوفهم من الصراعات.
خليل الجبوري (يمين) يوضح لموظف المنظمة الدولية للهجرة التوقيعات العشرة على أوراقه الأمنية (© IOM)
وتعد هذه المبادرة جزءاً من حزمة تحمل أكثر من خمسين مشروعاً فى العراق و يتم تنسيقها وتمويلها من قبل وزارة الخارجية الالمانية التى قدمت 290 مليون يورو لتمويل العراق فى عام 2017 فقط. إن نشر الاستقرار في العراق ومساعدة السكان المحليين ليس مجرد مقتضيات إنسانية وجزءاً من المسؤولية العالمية لإحلال السلام، بل تلك أمور تسهل على النازحين داخليا البقاء أو العودة إلى ديارهم.
ويقول بلاسيدو سيليبيني، مدير مشروع المنظمة الدولية للهجرة الذي يقوم بتنفيذ مشروع الشرطة المجتمعية الممولة من ألمانيا في العراق، إن معظم العراقيين يريدون العودة إلى ديارهم حتى في ظل أصعب الظروف. ويؤكد سيليبينى على أن الأمن هو الجانب الأهم بالنسبة للناس.
ويقول سيليبيني: “إذا لم يكن لديك مستوىً معيناً من الأمن، فلن يكون لديك نمو اقتصادي، ثم سيفقد الناس الأمل ويبحثون عن بدائل “. كما أشار إلى أن النزوح والهجرة القسرية يمكن أن تعتبر آثاراً جانبية محتملة لمثل هذا الوضع. إن وجود قوى شرطة فاعلة يعد أمراً أساسياً لزيادة الثقة وتحسين الخيارات للناس للبقاء في البلد. يقول سيليبيني: “إن زي ضابط الشرطة يمثل الدولة، ويجب أن يوصل رسالة للناس مفادها إننا هنا لحمايتك وضمان الحرية للجميع “.
مكاتب الشرطة المجتمعية في العراق
وقد بذل سيليبيني وفريقه جهداً كبيراً في اختيار ضباط الشرطة الذين يقومون بدور الشرطة المجتمعية. ويحتاج هؤلاء الضباط إلى الخبرة والتدريب لأنهم بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على الوساطة بين المجتمعات المضيفة والنازحين داخليا والعائدين، وذلك من أجل التقليل من الشكوك ما بين الأطراف، ومن أجل تحديد وجود أي نوع من التوترات ليتم نزع فتيلها قبل أن تتحول إلى صراع.
ويمكن أن ينطوي عملهم أيضا على تنظيم طريق آمن للأطفال للذهاب إلى المدرسة خلال موجة من الهجمات التي يرتكبها الإرهابيون، أو ضمان ألا ينجرف المراهقون الذين تواجه أسرهم المشاكل في طريق الجريمة.
ومن المجالات الأخرى التي تنشط فيها الشرطة بشدة ويكون التدريب والخبرة مطلوبين فيها مجال رئاسة منتديات الشرطة المجتمعية حيث يجتمع ممثلو البلديات والسلطات الأمنية لمناقشة المشاكل العاجلة وإيجاد حلول لها. وتتناول المنتديات المشاكل التي لا يتم نقاشها علناً أيضا مثل العنف الأسري، ويمكن أن تساعد في مثل هذه الحالات.
يقول سيليبيني “إن إظهار أن الشرطة موجودة لمساعدة الضعفاء والمستضعفين في المجتمع يرسل رسالة بالغة الأهمية. وينظر إلى منتديات الشرطة المجتمعية في الوقت نفسه على أنها سلطة محايدة، وهذا في حد ذاته يعد خطوة كبيرة إلى الأمام.”