“صحيح أن قلوبنا انفطرت، ولكننا لم ننكسر”. بهذه الكلمات خاطب إمام مسجد النور المعزّين من مختلف الأديان بعد أسبوع من الاعتداء المروع على المساجد بمدينة كرايست تشيرتش في نيوزيلندا. وفي ذاك اليوم، وبينما كان المسلمون يقيمون الصلاة في نيوزيلندا وفي غيرها من أنحاء العالم، تكاتف أتباع الأديان الأخرى أمام دور العبادة عنواناً ورمزاً للتضامن مع المسلمين.
ورغم ما تسبّب به هذا الاعتداء من ألم للبشرية والقيم الإنسانية، فإنني أريد لصدى ذكرى ضحايا كرايست تشيرتش أن يعلو على صوت المعتدي، ويدوم فترة أطول.
يتطلب هذا الوضع تدابير حقيقية ملموسة، وقمة “نداء كرايست تشيرتش” التي يستضيفها زعيما نيوزيلندا وفرنسا اليوم تهيء فرصة حقيقية للتغيير. الدعاية الإرهابية المغرضة على الانترنت ليست مسألة جديدة – فقد دأب التحالف الدولي على بذل جهوده لمنع انتشار دعاية الإرهابيين، ولعب خلال عام 2017 دوراً رئيسياً في تأسيس منتدى الإنترنت العالمي لمكافحة الإرهاب. بيْد أن التهديد الإرهابي المصمَّم للبث عبر الإنترنت هو أكثر ما يؤرقنا، ولهذا فإن قمة نداء كرايست تشيرتش تشكل لحظة فاصلة في التصدي للدعاية الإرهابية المُغرضة.
التحالف الدولي يرحب بقمة نداء كرايست تشيرتش، فإنه يرى فيها فرصة سانحة لاتخاذ إجراءات فعلية، مع علمنا بمدى الضرر الناتج عن استخدام الإرهابيين للإنترنت. حيث لمسنا ذلك على مدى سنوات من خلال جهودنا الجماعية لإلحاق الهزيمة بداعش.
ففي أعقاب التفجيرات الأخيرة التي وقعت في سريلانكا، بُثَّتْ عبر العالم كله مقاطع مصوَّرة للإرهابيين منفذي الاعتداءات وهم يعلنون ولاءهم لداعش. وقد دأب إرهابيو داعش على تنفيذ هجماتهم بشكل يستقطبون من خلاله التغطية الإعلامية، وما زالوا يفعلون ذلك مستخدمين مواقع التواصل الاجتماعي لنشر دعايتهم السامّة والتحريض على العنف.
لهذا فإن نداء كرايست تشيرتش سيكون بمثابة فرصة لكلا الحكومتين وللقطاعات المعنية للعمل معاً والتعهّد بوقف انتشار المواد الإرهابية على الإنترنت. حيث ما يسعى إليه الإرهابيون، سواء تنظيم داعش أو اليمين المتطرف، هو رؤية مواقع التواصل الاجتماعي وهي تطفح بأسمائهم ومعتقداتهم ودعايتهم المغرضة، وتتصدّر عناوين الصفحات الأولى من الصحف. علينا ألا نسمح بحدوث ذلك. فالإرهابيون يشكلون خطراً علينا جميعا، ولكننا نستطيع من خلال التعاون الدولي أن نضمن أن تظل البلدان في أنحاء العالم بمنأى عن الخطر.
إنني أرى أن نجاح نداء كرايست تشيرتش لا ينحصر فقط بانضباط الإعلام الاجتماعي. ذلك أن البث الحي لاعتداء كرايست تشيرتش لم ينحصر فقط بالانتشار على مواقع تويتر وفيسبوك وانستجرام – ولفترة طويلة بعد وقوع الاعتداء، بل أعادت بثه أيضا محطات إخبارية دولية كبرى. حتى إن بعض المواقع الإخبارية نشر مقاطع مصوّرة “مثيرة” مقتطَعة من البث الحي الذي نشره الإرهابي ذاته بينما كانت تنتقد شركات التواصل الاجتماعي التي لم تتقيّد بحذفه.
ولقد شهدنا بأنفسنا ما يدل على أن ذلك يصب في مصلحة الإرهابيين، وهم يقولون ذلك بأنفسهم. حيث يسعى داعش من خلال الهجمات التي ينفذها بالحصول على أقصى قدر من التغطية الإعلامية، كما قال منفذ هجوم كرايست تشيرتش في بيانه إنه يسعى إلى حشد أوسع أثر إعلامي ممكن. من المخيف حقاً أن نعلم بأن كل مشاركة لأي رسالة نُشرت على أي منصة إعلامية إنّما تصبّ في مصلحة مَن يحاولون نشر الرعب حول العالم. وعليه، من واجبنا أن نتفكّر مليّاً بهذا الأمر حتى نتعلّم من أخطائنا.
ولا بدّ من تكاتف الجميع، سواء مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام، في خنق صوت الدعاية الإرهابية المغرضة. فلا يمكن لنا أن نسمح لهذه الجماعات ببث الرعب والتطرف بين الناس، وزرع بذور الفرقة في المجتمع، وتخويف الضحايا الذين يقعون تحت أيديهم. ولا بدّ من تكوين فهم أفضل لمفهوم التغطية الإخبارية المسؤولة. ذلك أن نشر الدعاية الإرهابية سيتمخض عن التسبب في إلحاق الأذى بالأبرياء في كل مكان.
فلنظهر للعالم أننا نتخذ إجراءات فعلية بهذا الصدد. فهذا هو حقّ الضحايا علينا، سواء ضحايا اعتداء كرايست تشيرتش أو أي اعتداء إرهابي آخر في أرجاء العالم. نعم، إنها ساعة العمل.
نانسي جمال هي الممثلة الرسمية للتحالف الدولي ضد داعش، وهو تحالف يضم 79 شريكا دوليا يجمعهم هدف مشترك: هزيمة داعش. يمكنكم متابعتها على تويتر: @repcoalition