عندما حررت قوات الأمن العراقية المدعومة من التحالف الدولي محافظة الأنبار من سيطرة داعش في عام 2017، وجدت مدن الرمادي والفلوجة مدمرة وآلاف السكان قد نزحوا. جزء كبير من البنية التحتية الحيوية للمدن في حالة يرثى لها، حيث دمرتها سياسة الأرض المحروقة التي انتهجها تنظيم داعش أثناء فراره إلى الصحراء.
على الرغم من تأثير تنظيم داعش على الازدهار الاقتصادي في الأنبار، حوّلت السلطات العراقية بالشراكة مع المنظمات الدولية هذا الدمار إلى فرصة للتعافي المستدام والنمو المستقبلي – حيث استقطبت أكثر من 150 مشروعًا بقيمة ملياري دولار أمريكي لإصلاح البنية التحتية وتحديث القطاع الزراعي وتنويع مصادر الطاقة في الأنبار.
في الرمادي، أجرى صندوق الحكومة العراقية لإعادة إعمار المناطق المتضررة من العمليات الإرهابية مؤخرًا اعمال إصلاح سد الرمادي لإعادة المياه لسكان المدينة ودعم القطاع الزراعي. وفي الوقت ذاته، أعاد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بناء مستشفى الفلوجة التعليمي في الفلوجة خلال عام 2020، حيث أعاد فتح المرفق لتوفير الرعاية الأساسية لسكان المدينة البالغ عددهم 750,000 نسمة في خضم جائحة COVID-19.
حيث لا تركز مبادرات إعادة الإعمار هذه على إعادة الأنبار إلى ما كانت عليه قبل داعش فحسب، بل تسعى أيضًا للتغلب على بعض التحديات الاقتصادية في المحافظة على المدى الطويل. تعتمد الأنبار تاريخيًا بشكل مفرط على الوقود الأحفوري، حيث تُركت عرضة لاستغلال تنظيم داعش وعانت من نقص كارثي في الوقود خلال الاحتلال الوحشي من قبل التنظيم.
والآن، تعمل الأنبار على تنويع مصادر الطاقة، حيث أكملت مؤخرًا هيئة استثمار الأنبار وجهات مانحة من القطاع الخاص أول مشروع ألواح شمسية في الرمادي لتوفير الكهرباء.
من خلال تقليل اعتماد المدينة على المولدات – والتي غالبًا ما تكون تكلفة وقودها باهظة – يمكن لمبادرات الطاقة المتجددة هذه تخفيف الصعوبات المالية للأسر ذات الدخل المنخفض والنازحين الذين يعودون إلى منازلهم، فضلًا عن تمهيد الطريق لازدهار الصناعات الناشئة.
في حين طبقت وزارة التخطيط العراقية في ريف الأنبار – بدعم من وكالة التنمية الألمانية GIZ – نفس التفكير بعيد المدى في خطة النمو الاقتصادي، مع التركيز على تحديث القطاع الزراعي في الأنبار. كما أصلحت المبادرة حتى الآن عدة كيلومترات من أنظمة الري وتبرعت بمئات البيوت البلاستيكية الزراعية للمزارعين المحليين بالإضافة إلى توفير التدريب على أفضل الطرق لاستخدامها. وستتعاون المبادرة في المستقبل مع جامعة الأنبار في جنوب الرمادي لتقديم دورات في مجال الزراعة وريادة الأعمال للشباب العراقي.
لماذا محافظة الأنبار؟
تنبع تحديات الأنبار الحالية من الدمار الذي أحدثه تنظيم داعش في جميع أنحاء المحافظة، أولًا خلال هجومه عام 2014 على بلداتها وقراها، ثم من خلال سياسة الأرض المحروقة التي انتهجها التنظيم خلال تقهقره في مواجهة قوى الأمن الداخلي وشركائه في التحالف الدولي.
كانت الفلوجة من أوائل مدن الأنبار التي سقطت في عام 2014، ما أدى إلى احتلال دام عامين طوق خلاله تنظيم داعش المدينة بالألغام الأرضية والعبوات الناسفة ونهب مواقعها التاريخية والدينية وحول المدارس إلى مستودعات أسلحة. وخلال حصار تنظيم داعش الذي دام عامًا على مدينة الرمادي عاصمة المحافظة، قطع الإرهابيون الكهرباء وأغرقوا سكان المدينة في الظلام ومنعوا عمال الزراعة من حصد محاصيلهم وأوقفوا توريد السلع والمنتجات إلى سوق المدينة. عندما استولى تنظيم داعش على الرمادي في أيار/مايو 2015، فر ما يقرب من نصف سكان المدينة، بينما تُرك الباقون دون الخدمات الحيوية. واصل تنظيم داعش التدمير خلال انسحابه الطائش، حيث دمر كل جسر عبر نهر الفرات، وزرع العبوات الناسفة في مرافق الكهرباء وأشعل النار في الأراضي الزراعية. ومع ذلك، أدت سياسة الأرض المحروقة هذه إلى نتائج عكسية بالنسبة لتنظيم داعش. حيث ألهمت المشاركين في إعادة الإعمار ليس فقط لإعادة بناء ما تم تدميره ولكن أيضًا لتحسين وإعادة البناء بشكل أفضل لتعزيز اقتصاد المحافظة لمستقبل أكثر ازدهارًا.
على الرغم من أن الأنبار لا تزال تواجه العقبات – ليس أقلها الأثر الاقتصادي لجائحة COVID-19 والتحديات الأمنية المستمرة في بعض المناطق النائية في المحافظة – إلا أن التزام القطاعين الخاص والعام بإعادة الإعمار قد أرسى الأسس الراسخة التي يمكن أن ينطلق من خلالها استمرار الانتعاش والنمو الاقتصادي. من رماد احتلال داعش، بدأ مستقبل أكثر إشراقًا.