منذ عام 1976، يقدّم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الدعم لحكومة العراق وشعبه من خلال مشاريع تحقيق الاستقرار والمشاريع الإنسانية. وعلى الرغم من أن وباء كورونا قد فرض تحدّيات جديدة على البلاد في عام 2020، فقد كيّف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق عمله للاستجابة للأزمة من خلال التعاون الوثيق مع مبادرات المجتمع المحلي ووكالات الأمم المتحدة الأخرى. تناقش زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، الوضع الحالي الصعب في العراق وكيف يعمل فريقها لضمان استمرار التنمية في البلاد.
ما هي أكبر التحديات التي تواجه العراق حاليًا، وكيف يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق للتصدي لها؟
لقد مثّل التفشي السريع لفيروس كورونا تحديًا غير مسبوقًا للعراق. بيد أن تفشي الوباء ليس لحظة أزمة فريدة. إذ تشهد البلاد اليوم حلقة مفرغة من الأزمات المتفاقمة: انتقال سياسي ومظاهرات يقودها الشباب واضطرابات عنيفة وعودة محتملة لداعش وركود اقتصادي.
ومع الانخفاض الحاد في أسعار النفط وإغلاق البلاد بسبب فيروس كورونا، تأثرت قطاعات متعددة تشمل جميع القوى العاملة العراقية بشدّة. فقد ارتفعت معدلات البطالة ووجدت أسر كثيرة نفسها تحت وطأة ديون متزايدة.
يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي جنبًا إلى جنب مع حكومة العراق في المقام الأول للمساعدة في ضبط الوباء وتخفيف الضغط على نظام الرعاية الصحية العراقي. وفي إطار حزمة الاستجابة التي يقدمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمواجهة فيروس كورونا، فإننا نعمل على بناء وحدات عزل وتوفير معدات الحماية للعاملين في مجال الرعاية الصحية وزيادة الوعي بشأن الفيروس وتوفير المعدات الطبية الحيوية مثل أجهزة التنفس الصناعي وأجهزة تنظيم ضربات القلب للمراكز الصحية، فضلًا عن دعم التماسك الاجتماعي والاستجابة لحالات العنف القائم على النوع الاجتماعي المتزايدة. بالإضافة إلى ذلك، وتحت التوجيه العام للمنسق المقيم، يقود برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فعليًا تطوير استراتيجية الاستجابة والانعاش في العراق إلى جانب وكالات الأمم المتحدة الأخرى – وهي خطة مدتها سنتان تحدد كيف يمكن للعراق أن ينتعش بعد الوباء.
كانت هناك بعض التقارير حول مزاعم داعش بأنه سيسعى لاستغلال الوباء – هل رأيت أي دليل على ذلك؟
لا شك أن ظهور وباء غير مسبوق قد فتح الباب أمام إمكانية عودة ظهور داعش، لا سيما في ضوء عدم الاستقرار الحالي في العراق والانكماش الاقتصادي. ووفقًا لتقارير مختلفة، شهد العراق زيادة في عدد هجمات داعش خلال الوباء، ما يؤكد الحاجة الماسة إلى مواصلة شراكتنا الوثيقة مع شركاء التحالف والحكومة ووكالات الأمم المتحدة، بما يضمن لنا بذل كل ما في وسعنا للتخفيف من مخاطر عودة ظهور التنظيم. يشمل جزءٌ من برنامج الاستجابة لفيروس كورونا الذي نقدمه عددًا من مبادرات التماسك الاجتماعي وسبل العيش التي تلبي الاحتياجات الفورية والتي ستؤثر تأثيرًا إيجابيًا على المجتمعات المحلية في جميع أنحاء البلد.
هل أوقف فيروس كورونا عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتحقيق الاستقرار على نطاق أوسع، أم أن بعض عمليات إعادة البناء تمكّنت من الاستمرار؟
مع ارتفاع معدلات الإصابة في العراق وفرض الحكومة لحظر التجول، توقفت أنشطة تحقيق الاستقرار في البرنامج الإنمائي مؤقتًا. ولكننا، وبناءً على طلب الحكومة العراقية والمحافظين والمستفيدين، استأنفنا مؤخرًا أنشطتنا في المحافظات الخمس المحررة من تنظيم داعش وهي الأنبار وديالى وكركوك ونينوى وصلاح الدين. إذ نُعيد بناء البنية التحتية الحيوية التي تضررت في الصراع مع داعش حيثما أمكن، بما في ذلك مجمّع مستشفى الشفاء في الموصل – أحد أكبر المجمّعات الطبيّة في نينوى، والذي كان يُستخدم في السابق كمقر لداعش. كما تعمل فرق الاستجابة السريعة لفيروس كورونا لدينا على إنشاء وحدات عزل في 12 محافظة.
نحن بصدد استئناف أنشطتنا في مجال العمل بمقابل نقدي في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك إزالة الأنقاض وترميم الأماكن العامة، في محاولة لتخفيف بعض الأعباء المالية التي تعاني منها المجتمعات المحلية. سلامة موظفينا الميدانيين ومقاولينا والمستفيدين هي من أولوياتنا القصوى، لذلك اتخذنا تدابير إضافية للصحة والسلامة للحفاظ على سلامة الناس وصحتهم. تشمل هذه الاجراءات فحص درجة الحرارة في الموقع وإلزام استخدام معدات الحماية الشخصية والتباعد الاجتماعي.
كيف كيّف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق مشاريعه في ضوء جائحة كورونا ؟
لقد لعبت التكنولوجيا دورًا محوريًا في طريقة عملنا الجديدة. فالعديد من أنشطتنا التي تتطلب الحضور الشخصي مثل الاجتماعات الحكومية والتدريب والاحتفالات تتم الآن باستخدام الإنترنت. وقد عقدنا مؤخرًا دورة تدريبية حول توفير الدعم النفسي لضحايا العنف في حالات النزاع للأخصائيين الاجتماعيين من المنظمات غير الحكومية في 15 محافظة. حيث كان من المقرر بشكل أساسي أن يكون التدريب بالحضور الشخصي، ولكن تم تقديم التدريب من خلال منصة على شبكة الإنترنت للأخصائيين الاجتماعيين في منازلهم. وبعد التدريب، دعم الأخصائيون 7,500 امرأة في 10 أيام.
فيما ثَبُتَ أن فرض حظر التجول داخل وبين المحافظات يشكل تحديًا أمام تنفيذنا للمشاريع على أرض الواقع، لكننا حاولنا أن نكون أكثر فطنة – على سبيل المثال، اعتمدنا أكثر على الموظفين المحليين. وعندما استأنفنا الأعمال في نهاية المطاف، أضفنا تدابير إضافية للصحة والسلامة استنادًا إلى المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية لمنع انتشار المرض في المواقع وضمان واجب تقديم الرعاية لموظفينا ومقاولينا والمستفيدين.
كيف تعمل وكالات الأمم المتحدة معًا لضمان حصول المجتمعات الضعيفة في العراق على المشورة في مجال الصحة العامة والدعم الذي تحتاجه؟
تعمل منظومة الأمم المتحدة بأكملها – داخل العراق وعلى الصعيد العالمي – متحدةً لمكافحة فيروس كورونا من خلال تنفيذ مجموعة من الأنشطة التكميلية والبرامج المشتركة والتقارير والدراسات متعددة الوكالات التي تحدث في جميع أنحاء العالم. تقود منظمة الصحة العالمية في إطار مهام الأمم المتحدة في العراق دعم القطاع الصحي من خلال خطة التأهب والاستجابة الاستراتيجية لفيروس كورونا.
من بين الأنشطة التي تنفذها الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمكافحة الفيروس، بناء أجنحة العزل وتقديم المساعدة النقدية وتوزيع المواد الغذائية وزيادة الوعي وتوفير التدريب الوظيفي وتوزيع معدات الحماية الشخصية على العاملين في مجال الرعاية الصحية. أيضًا، فيما يتعلق بالإنعاش على المدى المتوسط والطويل، يدعم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في وضع إطار عمل للأمم المتحدة مدته سنتين للإنعاش من فيروس كورونا مع جميع وكالات الأمم المتحدة في البلد.
هل حشدت المجتمعات المحلية للتعامل مع تحديات مثل الصرف الصحي؟ ما هو الدور الذي لعبته لجان السلام المحلية؟
رؤية المجموعات المجتمعية تأخذ زمام المبادرة لحماية نفسها من فيروس كورونا كان أمرًا ملهمًا للغاية. وقد نهضت لجان السلام المحلية، التي أنشأها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدعم المصالحة والتماسك الاجتماعي في المجتمعات المحلية، للعب دور أساسي في أنشطة الاستجابة المجتمعية لفيروس كورونا مثل تعقيم الشوارع والأماكن العامة وإنشاء العيادات المتنقلة وتوزيع النشرات الإعلامية وتقديم السلال الغذائية ومواد النظافة الصحية، فضلًا عن مجموعات الدعم الأخرى للأسر الضعيفة. وعلى وجه الخصوص، فقد خلقوا شعورًا بالثقة والوحدة بين المجتمعات ذات المجموعات المختلفة، ما سلط الضوء على أهمية العمل المشترك لتجاوز هذا الوقت المليء بالتحديات.
تأسست لجان السلام المحلية عام 2018 من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق لتعزيز السلام والاستقرار بعد تنظيم داعش، وهي تتألف من ممثلين عن المجتمعات المحلية مثل ضباط الأمن وموظفي السلطات المحلية وممثلي منظمات المجتمع المدني والقادة الدينيين. ويترأس كل لجنة المحافظ المحلي الذي يعمل منذ ظهور الوباء على زيادة الوعي العام وتوجيه الناس للالتزام بتدابير الحماية الصحية وحوّل تركيز اللجان إلى تلبية الاحتياجات العاجلة الناتجة عن تفشي الوباء. يبدأ بناء المجتمعات السلمية بالثقة – ولهذا السبب كان دور لجان السلام المحلية جزءًا لا يتجزأ خلال الوباء.