“الروابط داخل النص باللغة الإنكليزية”
أودري كورتي مرشح لنيل شهادة الدكتوراة من كلية العلوم الإنسانية واللغات والعلوم الاجتماعية في جامعة جريفيث، بريسبين، أستراليا، الذي يبحث في التداخل بين وسائل الإعلام والحملات الدعائية لداعش، إضافة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في تعميم الخطاب الشعبوي.
نعلم أن داعش تعتمد على الناس الذين يشاهدون حملاتها الدعائية في نشر رسالتها. ومع انهيار سيطرة داعش على الأراضي في سوريا والعراق، ارتفع نسبة اعتماد التنظيم على جهوده الدعائية من أجل تغذية صفوفه والحصول على القبول لدى المسلمين السنة. وبالرغم من التقدم المُسجل في وجه داعش، يُحذر خبراء الإرهاب من أن شبكة داعش الإعلامية “لا تزال خطرة” إذ أنها تستمر في نشر رسائلها للمتعاطفين معها.
ومنذ صعود التنظيم السريع عام 2014، كانت حملات داعش الدعائية المكثفة محركاً أساسياً من أجل تجنيد العناصر وبث الذعر في قلوب أعدائها والترويج لشرعيتها على أنها “دولة إسلامية” حسب ادعائها. وتلقى استخدام داعش المعقد لوسائل الإعلام على الانترنت وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر الكثير من الاهتمام، ولكن من المحتمل أن الأمر الأقل شيوعاً هو القدرة الماكرة للتنظيم على نشر رسائله باستخدام وسائل الإعلام الرئيسية أيضاً.
ووجد البحث، الذي تم إعداده بالتعاون مع البروفسور المساعد حليم راني والدكتور كاسون أوباياسيري في جامعة جرفيث، مصادر أخبار يمكنها في بعض الأحيان أن تكرر روايات دعاية داعش بطريقة تخدم دون عمد مصالح التنظيم. وبالرغم من اقتصار بحثنا على بعض الصحف البارزة الناطقة باللغة الإنكليزية والفرنسية، إلا أنه يوفر لمحة سريعة عن التداخل الخطير بين دعاية داعش والإعلام الغربي.
وتقوم داعش وعن عمد بموائمة الإنتاج وإطلاق موادها حسب احتياجات وسائل الإعلام الرئيسية ودورة الإعلام. على سبيل المثال، عادة ما يقوم التنظيم بترجمة بياناته العامة والفيديوهات إلى عدة لغات، وأبرزها الإنكليزية والفرنسية، من أجل الوصول أكثر لوسائل الإعلام الغربية. وتنتج صوراُ وفيديوهات ذات جودة عالية وتأثير عال التي تغري وسائل الإعلام البصرية ومن السهل إعادة نشرها. وتُظهر الفيديوهات التي بثت عملية إعدام الصحفي الأميركي جيمس فولي عام 2014 والطيار الأردني معاذ الكساسبة عام 2015 قدرة داعش على جذب التركيز الضخم من خلال محتواها المركز على الإعلام والنجاح في نشر مقاطع الفيديو الخاص بها على قناة فوكس نيوز بالكامل.
كما تقوم داعش أيضاً باختيار أهداف ومواقع وتوقيت هجماتها الإرهابية بحيث تزيد من حجم التغطية الإعلامية للحد الأقصى. وعندما يعاني التنظيم من انتكاسات عسكريةـ يقوم وبشكل استراتيجي بتنسيق هجوم أو إطلاق مقطع دعائي جديد من أجل صرف النظر عن التغطية السلبية المحتملة لخسائرها – وكان ذلك واضحاً عندما ادعت داعش مسؤوليتها عن تفجيرات سريلانكا في نيسان بالرغم من أنه من غير الواضح فيما إذا كان التنظيم على علاقة مباشرة بالتفجيرات أم لا.
وكحال معظم التنظيمات الإرهابية، تسعى داعش للحصول على “أوكسجين الشهرة” لأن سياستها تعتمد على قدرتها على تغيير معتقدات الجمهور. ويستخدم الإرهابيون العنف – أو التهديد بالعنف – لنشر رسالة وتقدم أهدافها السياسية والعقائدية بشكل كبير. وبالتالي، يستهدف الإرهابيون الناس التي تشاهد وليس الضحية/ الضحايا المباشرين. ولكن بالرغم من أن داعش قامت بتطوير وسائلها الخاصة لنشر أعمالها ورسائلها، إلا أنها تعتمد على الإعلام الغربي لتضخيمها.
يمكن تلخيص دعاية داعش التي تستهدف الجمهور الغربي إلى روايتين أساسيتين:
تركز الرواية الأولى على مآثر وانتصارات التنظيم من أجل تعزيز نظرة العامة حول قوتها ونجاحها. والمحتوى موجه لتشريع المؤسسات العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لداعش، وترهيب خصومها وفي الوقت ذاته ترغب المتعاطفين معها وللسيطرة على الأجندة السياسية الدولية.
والرواية الثانية هي أن العالم منشغل بحرب حضارية بين المخيمين الذين تعرفهما داعش على أنهما “المسلمين” و”الكفار”. وهذا يسيطر على نظرة الجمهور العالمي لتقسيم المجتمعات الغربية بحسب الخطوط الدينية. وصُممت الروايتين معاً لإرسال صورة عن داعش على أنها خصم فتاك للعالم الغربي الذي ينوي تدمير الإسلام.
وتعتبر سياسة (فرق تسد) جوهرية في جذب داعش للمجندين الأجانب وإلهام “الذئاب الوحيدة” حول العالم حيث أعلن التنظيم عبر جريدته الالكترونية في شباط 2015:
“المسلمون في الغرب سيجدون أنفسهم في وقت قريب أمام خيارين.”
وفسرت داعش ذلك بأنه في ظل تصاعد التهديدات بهجمات إرهابية أخرى على نطاق أوسع، من المحتمل أن يتم التعامل مع المسلمين في الغرب بمزيد من الشك وعدم الثقة، مما يجبرهم على:
“… إما الكفر … أو [الهجرة] إلى الدولة الإسلامية وبالتالي الهرب من القمع من الحكومات والمواطنين الصليبيين.”
وبالفعل، رَوَجت الصحف الغربية في بعض الأحيان لمفهوم الصراع الثقافي من خلال ربط المجتمعات المسلمة بشكل متكرر بالإرهاب، والفشل في التمييز بين الدين الإسلامي وأيديولوجيا الإسلام السياسي بطريقة منطقية. على سبيل المثال، التقارير المثيرة للمشاعر في الديلي ميل لأحداث باريس عام 2015 حيث خلطت وبشكل متكرر بين الإسلام والتطرف الإسلامي، ونقلت صورة المجتمعات المسلمة بشكل عام على أنها تهديد محتمل للمجتمعات الغربية. وتداولت الصحف الشعبية البريطانية دور التعاليم “الإسلامية” وحذرت عناوينها العريضة الأكثر استفزازاً من “العدو الداخلي”، التي تُغذي وبشكل مستمر المشاعر الكارهة للمسلمين.
بينما أعدت نيويورك تايمز والتايمز ضمن صحف أخرى، التي كانت أكثر وضوحاً وانضباطاً تقاريراً عن إرهاب داعش، وأظهرت النتائج الأكثر شيوعاً في كافة الصحف أن المصادر الرسمية سيطرت وبشكل ساحق على الطريقة التي تم فيها عرض وفهم إرهاب داعش. وكانت مطالبات وأفعال المسؤولين وخاصة قادة وممثلي الحكومات مقبولة بشكل لا يقبل النقد، وأطلقوا الحوار العام بشكل متلاحق حول إنشاء خيارات وسياسات لمكافحة الإرهاب.
وهذا أمر مهم لأنه يعني أن الخطاب السياسي المثير للذعر والتحريضي والداعي للانقسام نشر دون تدقيق غالباً من قبل المصادر الإعلامية، ودعمت في نهاية المطاف مصالح داعش من خلال التأكيد الرسمي على التهديدات والعداوة باسم “الإسلام” من خلال حذف الأصوات البديلة والأكثر واقعية، وعززت وسائل الأخبار ادعاءات داعش بملاحقة المسلمين الأمر المهم جداً بالنسبة لداعش للتغذي على المسلمين الساخطين والمهمشين في المجتمعات الغربية.
وعلاوة على ذلك، خدمت التغطية البارزة التي يمكن القول إنها غير متكافئة لإرهاب داعش في تشريع ورفع حالة التنظيم. وحتى خلال فترات انهيار التنظيم، عمدت مصادر الأخبار على تضخيم الخطر الذي تشكله داعش، والتأكيد على وحشيته وقدرته على سفك الدماء. هذا يرتبط مع نهم جمهور الأخبار لسماع أخبار داعش التي أيضاً تؤدي إلى نشر تهديدات أو تفاخر أعضائها دون وجود أي قيمة إخبارية واضحة.
بينما أصبحت بعض المؤسسات الإعلامية مثل الغارديان أكثر وعيًا لجهود داعش في السيطرة عليهم وقامت بتبني سياسات داخلية للحد من انتشار المواد الدعائية للتنظيم. ويتضمن ذلك عدم استخدام فيديوهات داعش وتجنب استخدام الصور التي تمجد مقاتليها واستخدام صور مقصوصة لرهائن داعش، واستخدام أسفل المقالات التي يتم نشرها في مواقعها الالكترونية، وحيث أمكن، استخدام صور للرهائن في سياقات أخرى بدلاً من صورهم في الأسر.
ولكن بالرغم من أنه يجب أن تكون هذه الجهود الإعلامية أكثر انتقائية وتمييزاً في استخدام المواد السمعبصرية لداعش، فإن انتشار روايات التنظيم الدعائية في القنوات الإخبارية الرئيسية يبقى مسألة إشكالية. إضافة إلى أنه وحتى تاريخه، كانت السياسات التحريرية متخصصة بشكل كبير ولا توجد أية معايير توجيهية حول كيفية تغطية وإعداد تقارير عن النشاطات الإرهابية. وهذه نقطة عمياء مهمة – وخاصة في وقت يكون فيه من المهم لجهود مكافحة الإرهاب استئصال أيديولوجيا داعش ومنع تحولها إلى حركات جهادية أخرى.
كيف يمكن للإعلام تغطية داعش بشكل مسؤول
للتوضيح، يعتبر الإرهاب خبراً مهماً، ومن غير المعقول أن نتوقع توقف المصادر الإعلامية عن إعداد تقارير حول داعش بالكامل. ولكن مع فرض أن الإرهاب يعتمد على التغطية الإخبارية لتوسيع انتشار رسائلها، ونشر الذعر وتوطيد قوتها، يجب على التقارير الإعلامية أن تخلق توازنًا بين الحفاظ على إعلام العامة والتغطية غير المبرر لها. ويحتاج محررو الأخبار والمذيعون للتفكير بشكل جدي حول كيفية وضع أطر لقصصهم عن الإرهاب والتفكير فيما إذا كان عليهم التعامل مع القصص المشابهة في سياقات أخرى بشكل تناسبي.
وبفرض أن الربط المستمر للإسلام مع الجماعات الإرهابية يسهم في انعدام الثقة بين المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، يجب على القنوات الإخبارية بذل جهد للحصول على مصادر من أصوات أكثر تنوعًا وتعليقات مطلعة. وهذا يعني أيضًا أنه يجب على القادة السياسيين وممثلي المجتمعات تحمل بعض المسؤوليات في التعامل مع الحملات الدعائية لداعش والحذر من ألا يخدم خطابهم مصالح التنظيم. وهذا أمر مهم بحد ذاته، ولكنه مهم أيضاً لأن كيفية تحدث الناس عن داعش تؤثر على كيفية إعداد تقارير إخبارية عنها.
وأخيراً، من المهم أن نتذكر أن روايات داعش ليست صحيحة – والإعلام لديه الفرصة لإعداد تقارير عن الحقيقة. والآن هناك العديد من مقاتلو داعش الذين تم أسرهم والمنشقين عن التنظيم الذين خاب أملهم وعادوا إلى المجتمعات الغربية، يمكن لوسائل الإعلام أن تستعمل قصصهم كأداة قوية ضد التنظيم. إيصال الواقع المؤلم للحياة في ظل داعش التي تدعي “الخلافة” يمكن أن يساعد في تقويض شرعية التنظيم إضافة إلى دحض ونبذ رواياتها الدعائية.
“الآراء الواردة في مقالة الكاتبة لا تعكس بالضرورة وجهات نظر التحالف الدولي”.