لقد مرَّ العراقيون بالكثير جداً من الحروب، والإرهاب والعنف. وكبقية الشعوب الأخرى، يتوق الشعب العراقي إلى بلد سالم وآمن يمكن أن تُقام فيه بسلام أحداث اعتيادية مثل مباريات كرة القدم، والحفلات الموسيقية والانتخابات. تلعب قوات الأمن العراقية دوراً محورياً في استعادة الحياة الطبيعية – ولقد كشفوا النقاب مؤخراً عن خطة تضمن سلامة المقترعين قبيل الانتخابات في تشرين الأول/أكتوبر. لماذا يشكل الجيش جزءاً أساسياً من مستقبل البلاد؟
إثر هزيمة داعش الإقليمية في عام 2017، انصب اهتمام قوات الأمن العراقية وحكومة العراق على المحافظة على الأمن الداخلي بالإضافة إلى محاولة تحييد التهديد الذي تشكله أي فلول لداعش؛ وهي مهمة صعبة نظراً لوجود مليشيات مسلحة وخلايا نائمة.
وبفضل البراعة القتالية لقوات الأمن العراقية، والاستخبارات والدعم الجوي الذي يقدمه شركاء التحالف الدولي، لم يعد بإمكان داعش شن هجمات معقدة أو الاحتفاظ بأي أراضي. وبدلاً عن ذلك، يحاولون الاعتماد على تكتيكات حرب العصابات من خلال هجمات “كر وفر” متفرقة في إطار سعيهم لإرهاب المجتمعات المحلية وتقويض الحكومة العراقية. “تتخفّى عصابات داعش كمدنين، ورعاة ماشية على سبيل المثال، وتقوم بذلك لمهاجمة الآخرين، لكننا نمتلك قاعدة بيانات كبيرة من المعلومات الاستخبارية والقدرات التي تمكننا من إدارة الموقف” بحسب تحسين الخفاجي، المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في العراق. لقد أثبتت سلسلة الهجمات الأخيرة لداعش على البنية التحتية للكهرباء كيفية استعداد الإرهابيين على الإضرار بالمجتمعات السنية والتي لفظت داعش بصورة لا لبس فيها. – ومن شأن هذا التذكير أيضاً أن الأسلوب التلقائي لعمليات داعش كان ولايزال قائماً على العنف العشوائي ضد المدنيين.
وفي إطار تصديها لخلايا إرهابيي داعش الصغيرة، اتبعت قوات الأمن العراقية تكتيكات جديدة في “حرب الاستخبارات هذه” تقوم من خلالها بالعمل عن كثب مع الشعب العراقي بحيث يستطيع المواطنون الإبلاغ عن أفراد أو نشاطات مشبوهة في مجتمعاتهم الخاصة. يقول يحيى رسول، المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة في العراق: “عقب التحرير، أصبح الجهاز الأمني أقرب إلى المواطنين وأصبح المدنيون يشعرون بأمان أكبر بوجودنا.” ويبدو أن هذه الشراكة مع الشعب العراقي تُؤتي أكلها: فمنذ التحرير، اعتقلت قوات الأمن العراقية المئات من إرهابيي داعش، وحددت مواقع الكثير من العبوات الناسفة وفككتها، وكشفت مخابئ داعش وأحبطت العديد من العمليات الإرهابية.
وبعد التحرير، اقتضت المحافظة على الأمن جهداً مشتركاً وتنسيقاً مستمراً بين مختلف الكيانات العراقية، بما في ذلك السياسيين، والمدنيين والقوات الأمنية، بالإضافة إلى التعاون الوثيق مع قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب (CJTF-OIR).
ولسنوات عديدة، استغلت خلايا داعش الإرهابية المناطق النائية في حمرين وجبال مخمور، والصحاري المترامية الأطراف في الأنبار، وديالى وكركوك، أضف إلى ذلك الفراغ الأمني الحاصل في المناطق ما بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية. تمتع الإرهابيون بحرية تحرك نسبية، لكن الجيش العراقي والبيشمركة (أي حراس إقليم كردستان) وافقوا مؤخراً على ملء الثغرة الأمنية وتأسيس مراكز تنسيق أمني مشتركة في ديالى، وكركوك ونينوى، مما قد يساعد في القضاء على قدرة داعش على النشاط في هذه المناطق – بما أن خطوط إمداده السرية سوف يتم قطعها.
وللمساعدة على تحقيق استئصال شأفة داعش من المنطقة، تلقت البيشمركة مؤخراً اسلحة وعتاد بقيمة ما يربو على ثلاثة ملايين دولار من الولايات المتحدة. وتبرع التحالف الدولي بأسلحة وذخيرة أيضاً بقيمة ثلاثة ملايين دولار لقوات الأمن العراقية لدعم مهمتهم المشتركة والقضاء على فلول داعش. وبحسب المتحدث باسم عملية العزم الصلب العقيد وين ماروتو، سوف يستمر التحالف بدعم القوات العراقية بالقوة الجوية، والاستخبارات، والمراقبة والإمدادات اللوجستية. ووفقاً للخفاجي، فإن قيادة العمليات المشتركة تعمل أيضاً مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا، ومع التحالف لمراقبة الحدود العراقية-السورية ولمنع إرهابيي داعش من تهريب المقاتلين والأسلحة إلى داخل العراق.
وكجزء من هذا الجهد الأمني المُعزز، تنسق وزارة الداخلية في العراق عن كثب مع قيادة عمليات بغداد. ولذلك التنسيق فوائد واضحة، بحسب اللواء سعد معن، مدير قسم الإعلام في وزارة الداخلية: “إن من شأن الزيارات الميدانية والمتابعة التي يقوم بها الوزير، بالإضافة إلى الدعم المباشر من رئيس الوزراء ضمان أنه، حتى في حال وقوع هجمة، فإننا سنكون قادرين على الإمساك بالفاعلين في غضون 72 ساعة.”
وخلال ما يزيد على ستة سنوت منذ دعوة حكومة العراق للتحالف للمساعدة في قتال داعش، لا يزال التحالف يواصل الاستجابة لاحتياجات العراق؛ وتطورت شراكته مع قوات الأمن العراقية لتشمل تقديم إرشاد ومشورة على مستوى العمليات، بشكل أساسي عبر مركز العمليات المشتركة. “ومن خلال هذا الترتيب، فإننا نساعد العراقيين على تخطيط، وتنفيذ واستغلال العمليات في كافة أنحاء البلاد،”كما صرح اللواء والقائد المساعد السابق كيفن كوبسي. كما وتم إظهار الدعم الدولي المستمر من خلال توسيع المهمة الاستشارية التدريبية غير القتالية لحلف شمال الأطلسي، والذي ينظر أيضاً إلى قوات الأمن العراقية وحكومة العراق على أنهم في طليعة من يطارد ويقضي على بقايا داعش، مع امتلاك القدرة على مواجهة جميع التحديات الأمنية التي تواجه العراق اليوم.
وبالرغم من أن الصراع مع داعش لا يزال مستمراً، فإنه من شأن النهج المشترك الراهن ضمان عدم قدرة التنظيم على تهديد العراق من جديد كما فعل في السابق.