بقلم نيكيتا مالك
خلال السنتين الفائتتين، ركزت في دراساتي البحثية على كيفية تجنيد داعش للأطفال. شملت هذه الدراسات “تطريف” (أي جعله متطرفاً) وهجرة الأطفال الأجانب إلى “أرض الخلافة” (حيث يعيش قرابة 80 (بايوول) طفل بريطاني هناك الآن – العديد منهم صغار وحُباة جلبهم آباؤهم – وخطف الأطفال داخل سوريا (حيث توجد 274 حالة من تجنيد الأطفال في العام 2016 لوحده)، واستغلال الأطفال الساعين للجوء من قبل داعش في البلدان المجاورة مثل الأردن ولبنان والعراق.
يحبك داعش استراتيجية التجنيد الخاصة به لتلائم الفئات الشبابية المختلفة. فالتنظيم يستهدف مثلاً الأطفال الأجانب وعائلاتهم بشكل ممنهج عبر بروباغاندا خاصة. في فترة ستة شهور، كشفنا النقاب عن 254 قطعة بروباغاندا تركز على الأطفال، معظمها باللغة العربية. تم استخدام الأطفال إما للتبشير المباشر أمام الكاميرا بـ “الخلافة” وتحفيز الأطفال الآخرين للانضمام، أو تم تصويرهم وهم يرتكبون أفعالاً شنيعة وإعدامات مروعة. بالنسبة للعائلات التي تفكر بالهجرة إلى “أرض الخلافة”، فإن الحملات الإعلامية المركزة على “اليوتوبيا\ المدينة الفاضلة” – حيث صور الأسواق والمدارس وحدائق الترفيه واللعب – تعرض صوراً للبنية التحتية الجاهزة لاستقبال الأطفال.
لكن في مناطق النزاع، فإن داعش استغلت الأطفال عبر خطفهم. في حزيران\ يونيو 2015، قَدَّرَت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (UNAMI) بأن داعش خطفت ما بين 800 إلى 900 طفل تتراوح أعمارهم ما بين تسعة إلى خمسة عشر عاماً من مناطق مختلفة من الموصل. داخل سوريا والعراق، فإن المقاطع المصورة التي تظهر العنف وتبشر الأطفال يتم متابعتها على وسائط التواصل الاجتماعي، مثلها مثل الإعدامات. هذا يصبح مصدر ترفيه لصغار العمر، بحيث تهدم معالجة الأطفال الطبيعية للأحداث المأساوية.
يتم استخدام الأطفال كجنود ودروع بشرية ورُسُل وجواسيس وحراس. لكن درب الجندي الطفل يبدأ في غرفة الصف. المحتوى المتطرف ضمن النظام التعليمي هو أداة حاسمة في تلقين التنظيم للأطفال والتلاعب بعقول وقلوب الجيل القادم. ديوان التعليم في التنظيم هو من يحدد القوانين ويصدرها، كما أن ارتياد المدرسة إجباري لكل الأطفال. مواد مثل الرسم والموسيقى والقومية والتاريخ والفلسفة والدراسات الاجتماعية يتم إزالتها، ويتم استبدالها بمواد مثل تحفيظ القرآن والتجويد والفقه والصلاة والعقيدة والحديث والسيرة النبوية. يتم الحد من بعض المواد بشكل مقصود – فكتاب الجغرافيا مثلاً يذكر فقط القارات، وكتاب التاريخ يُعلِّم التاريخ الإسلامي فقط. وأما التربية البدنية فقد سُمِّيت بالتدريب الجهادي، وتشمل التمارين والدروس كيفية التجمع وإطلاق النار وتنظيف وتخزين الأسلحة الخفيفة. أي طفل يرفض الالتزام بأوامر داعش يتعرض للجلد والتعذيب أو الاغتصاب.
بالنسبة للأطفال الساعين للجوء، فإن داعش تملأ فجوة في خدمات الدولة في مناطق النزاع وضمن مخيمات اللاجئين. يجد التنظيم طرقاً لـ “شراء” ولاء الأطفال عبر تمويل سفرهم أو العمل مع المهربين. كما أن التنظيم يستغل نقص الغذاء بين الشباب عبر توزيع الطعام مقابل الحصول على المقاتلين، الذين يتم تسجيلهم في برامج التلقين التربوي.
أي مشاريع لمنع الأطفال من الانضمام إلى داعش، أو لإعادة دمج الأطفال العائدين أو الفارين من مناطق النزاع، تميل عادة إلى تجنب استخدام مصطلحات التطرف العنفي. صحيح أن الأطفال الجنود الفارين من داعش يتشاركون أوجه متشابهة مع الأطفال الذين تعرضوا للصدمات بطرق أخرى؛ حيث يمكن أن يتخذ هذا شكل مقارنة تاريخية بالأطفال الجنود من أماكن نزاع أخرى، أو العنف المنزلي ضمن العائلة، أو فترة قضاها الطفل مع عصابات إجرامية؛ بيد أن من الخطأ الفادح أن يتم تجنب الدور الحاسم الذي قد يلعبه موضوع إزالة آثار التطرف وإعادة التربية والتعليم في مساعدة الأطفال الفارين من داعش أو العائدين من مناطقها.
إن حجم التطرف واستخدامه في منهاج داعش التعليمي، بالتزامن مع التعويد الممنهج للطفل على أعمال العنف والصدمة الناجمة عنها، سيتطلب مقاربة دقيقة يجب أن تبني على البنية التحتية القائمة لبرامج التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج التقليدية. فقهاء الدين، والمتطرفون سابقاً، والباحثون، والمحترفون في مجال إزالة آثار التطرف، يجب أن يشكلوا جزءاً حاسماً من بناء المنهاج الذي يركز على إعادة تعليم الأطفال وإرجاعهم عن التطرف. مثلاً في مؤسسة “كويليام”، نادينا بتطبيق التدريب على الحماية والمتانة ضد التطرف لتحقيق هذا الأمر، وكذلك لإشراك الشباب في تطوير برامج إزالة التطرف لضمان أنها تعكس التجارب التي عاشوها.
يجب تقديم التدريب على الحماية والمتانة ضد التطرف لكل المحترفين في الخطوط الأمامية الذين يعملون مع الأطفال الخارجين من داعش – سواء كانوا معلمين، أشخاص يتبنون هؤلاء الأطفال، الشرطة، حرس الحدود، الممرضون والممرضات، أو السلطات المحلية – بغية الفهم بأن تجارب هؤلاء الأطفال الذين افترستهم داعش وجندتهم ستكون مختلفة عن الأطفال الذين تعرضوا لصدمات أخرى. العاملون في هذه الشبكة ينبغي أن يحصلوا على التدريب على الحماية والمتانة ضد التطرف، لزيادة قدرتهم وتمكينهم من التعرف على المهربين والعصابات والإرهابيين الذين يستهدفون الأطفال في نقاط مختلفة، حيث ينبغي أن يعملوا معاً لتحقيق هذا الهدف. كما أن من الضروري بمكان بناء أماكن آمنة للأطفال النازحين، وتأمين طرق آمنة لهم، ومراقبة تنقلهم بشكل آمن لمنع حصول داعش على فرصة لتجنيدهم. كل هذا الأمر سيحتاج إلى الاعتراف بالطرق الفريدة والمعقدة التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لتطريف الأطفال.
فقط عبر القيام بهذا سنمنع استغلالهم، ونحضر لعودتهم إلى الطبيعة.
نيكيتا مالك هي باحثة رئيسية في مؤسسة كويليام، وهي مؤسِّسة مبادرة “فيم باور”، وهي مبادرة تبدأ من القاع لتمكين النساء والأطفال لمواجهة التطرف المتشدد.