إضفاء شهرة عالمية للموصل: يعطي عمر محمد صاحب مدونة ‘عين الموصل’ الصوت للموصليين الذين يستعيدون سردية مدينتهم من داعش

فبعد أيام من غزو داعش للموصل في حزيران/يونيو من عام 2014، بدأت صفحة فيسبوك مجهولة المصدر بتوثيق الفظائع التي ارتكبتها الجماعة الإرهابية في المدينة، على الرغم من الخطر الشخصي لهذا العمل. وخلال احتلال داعش، مثّلت التقارير المستمرة لعين الموصل مصدراً كبيراً للمعلومات ليس للموصليين فحسب، بل للمجتمع الدولي أيضاً.

وفي كانون الأول/ديسمبر لعام 2017، تخلى عمر محمد عن إخفاء هويته لكنه لم يتخلى عن التزامه بالقيام بسجل تاريخي. وحتى بعد تحرير مدينة الموصل في تموز/يوليو لعام 2017، استمر محمد بتسليط الضوء على عزيمة سكان المدينة التي ينبغي ألّا تُعَرَّف بسنوات حكم داعش. وبحسب كلماته، “الموصل ليست داعش.”

وفي حديث مع التحالف الدولي ضد داعش للاحتفال بالذكرى السنوية الثالثة لتحرير الموصل، يناقش محمد قوة شباب الموصل في التعبئة كقطاع قوي من المجتمع المدني وتصميمه على “إبراز أهمية الموصل العالمية من جديد.”

أسستَ عين الموصل في البداية كصفحة فيسبوك في عام 2014 بعد وقت قصير من غزو داعش للمدينة – ما الذي كنت تتطلع إلى تحقيقه في الأيام الأولى؟

لا زلت أذكر اللحظة التي قررت فيها أن أفتح صفحة عين الموصل – والتي زامنت هجوم ما يسمى بداعش. لقد شكلت اللحظة التي قررت فيها أن أقوم بذلك الإحساس بمسؤولية حماية المدينة من هذه المنظمة الإرهابية. لقد شعرت أيضاً أن هذه المرّة مختلفة عن الهجمات الأخرى التي حدثت في الموصل. شاهدت كيف كانت هذه الجماعة الإجرامية منظمة بشكل جيد. لقد أحضروا أسلحة جديدة، وسيارات جديدة، وملصقاتهم، وطبقوا أحكامهم بدءاً من الأيام الأولى لاحتلالهم. وهذا ما جعلني خائفاً من أن هذه المرّة مختلفة. وكان ينبغي على أحد أن يقوم بشيء ما.

كم كان داعش مذعوراً من التقارير المستقلة عن سيطرتهم على المدينة؟ وهل حاولوا ممارسة سيطرة كاملة على الوسط المعلوماتي؟

عندما سيطر داعش على الموصل تحكموا بكل شيء. اعتقلوا الصحفيين، وقتلوهم، وقتلوا كل من كان ضدهم، سواءً بالكلام أو بالأفعال. وعندما كانت عين الموصل هناك وكانت جريئة للقيام بتحديثاتٍ يومية لم يجرء أحد آخر على القيام بها، تم إيصال رسالة لداعش أنهم ليسوا الوحيدين في المدينة وأن هناك كياناً آخر يدعى عين الموصل لا يستطيعون إيقافه من إبلاغ التقارير. وأعطى سكان الموصل الأمل بأن صوتنا على الأقل لا يمكن إسكاته. وهذا يذكرني بالرسائل العديدة التي تلقيتها على صفحة  عين الموصل من سكان الموصل الذين كانوا يقولون إننا خائفون من التعليق لكننا معك، وندعمك ونشكرك على ذلك. وأعطاني هذا القوة والأمل للاستمرار.

تم إيصال رسالة لداعش أنهم ليسوا الوحيدين في المدينة وأن هناك كيان آخر يدعى عين الموصل لا يستطيعون إيقافه من إبلاغ التقارير. وأعطى سكان الموصل الأمل بأن صوتنا على الأقل لا يمكن إسكاته.”

أحد المنشورات الأولى على عين الموصل إثر غزو داعش للمدينة في حزيران/يونيو لعام 2014

 لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في الصراع – وتم استغلالها من قبل داعش لأغراض الدعاية، لكنها مكنتك من الوصول إلى جمهور أوسع من خارج الموصل، في وقت لم تقم فيه وسائل الإعلام التقليدية بالإبلاغ عن الكثير من هذه الفظائع. برأيك كيف يمكن إيجاد توازن بين الاستخدامات المتضادة لوسائل التواصل الاجتماعي؟

كان هذا عاملاً مهماً في تطور عين الموصل كمنصة للتحدث بالنيابة عن الموصل ليس فقط محلياً بل ودولياً أيضاً. لذلك قررت أن أكتب التقارير باللغة الإنجليزية لفهمي لبيئة الموصل. لقد أدركت الإطار الذي يتلاعب داعش من خلاله بالإعلام وكتابة التقارير باللغة الإنجليزية ولغات أخرى. لذلك فكرت، إذا واصلت كتابة التقارير باللغة العربية، قد لا أدرك نفس الوقع عند قيامي بالتحديثات باللغة الإنجليزية. وكنت على صواب. عندما اختارت وسائل الإعلام الدولية عين الموصل واعتمدت عليها، كانت عين الموصل المصدر الوحيد الذي يتمتع بمعلومات مفصلة من داخل مدينة الموصل. وأعطى هذا  عين الموصل دفعة أخرى نحو مواجهة وتحدي داعش أكثر فأكثر.

 بالرغم من أن  عين الموصل بدأت خلال احتلال داعش للمدينة، لا زلت تكتب في المدونة منذ التحرير. ما أهمية استمرار توثيق إعادة إعمار المدينة عقب تحريرها؟

لم تقتصر مهمة عين الموصل على كتابة التقارير عن داعش أو ما كان يحدث في المدينة. كان العامل الآخر لتطور عين الموصل هو تدمير داعش. إن المكسب الذي حظينا فيه من احتلال داعش هو احتشاد شباب الموصل للمرة الأولى للخير، كمجتمع مدني. لذلك أرادت عين الموصل أن تمنح الشباب منصة لكي يمارسوا حرية التعبير، حتى يظهروا عملهم إلى بقية دول العالم.

 في مقابلاتٍ سابقة، صرحت بأنك مؤرخ وأنك لست صحفياً. ما الطريقة المثلى لحفظ تاريخ الموصل من حيث الحيّز المادي، وكتابتك كسجلٍ تاريخي؟

بلى، أنا مؤرخ ودائماً أصر على كوني مؤرخاً بدلاً من كوني صحفياً. وليس هذا للتقليل من شأن الصحافة، لكن لأن ما قام به داعش لم يستهدف به الصحافة فحسب. كان داعش يلعب على الجذور العميقة لتاريخ مدينة الموصل عندما دمروا التحف والمواقع التاريخية، والمواقع الأثرية، وعندما دمروا مجتمع مدينة الموصل، وعندما رحّلوا النصارى واستعبدوا اليزيديين وأبادوهم جماعياً. لقد كانت الهدف من كافة الفظائع التي ارتكبها داعش ضد مجتمع الموصل تغيير الواقع والسردية بالإضافة إلى تاريخ الموصل.

لذلك من الأهمية بمكان الحفاظ على التاريخ من أجل منع سيطرة داعش على مستقبل المدينة. إذا أمسكت بالسردية التاريخية وتحكمت بها، فسوف تتحكم بمستقبل الناس، وهذا ما لا نريد أن يقوم به داعش. لقد انهزموا، لكن المعركة للظفر بالسردية التاريخية لا تزال قائمة وعلينا كسبها من خلال كتابة المزيد من السجلات التاريخية والأراشيف، وبناء المتاحف، وتذكير الناس بشتى أشكال التواصل المختلفة للحفاظ على تلك الذكرى من تشويه داعش.

من الأهمية بمكان الحفاظ على التاريخ من أجل منع سيطرة داعش على مستقبل المدينة. إذا أمسكت بالسردية التاريخية وتحكمت بها، فسوف تتحكم بمستقبل الناس، وهذا ما لا نريد أن يقوم به داعش.

 في الأعوام الثلاثة إثر تحرير الموصل من داعش، إلى أي مدى سمحت مشاريع إعادة الإعمار بالعودة إلى حياة ما قبل داعش؟ وما الذي يتعين القيام به بعد؟

لا أريد أن أبدو متشائماً، لأنه يوجد إعادة إعمار في مدينة الموصل، وهناك أمل، وهناك النية الحسنة من الناس الذين يريدون المساهمة في إعادة إعمار الموصل. لكن فيما يتعلق ببنية المدينة التحتية، أخشى من أنها لا تزال بطيئة. ونأمل بإعادة إعمار المزيد.

وأنا سعيد لأن سوق الموصل القديم، والذي يمثل قلب المدينة التاريخي، قد تم ترميمه بالكامل تقريباً. لقد أجرينا مسحًا وكانت النتيجة جميلة لأن مئات المحلات التجارية قد عادت: الحرفيون، المتاجر القديمة، أسواق التوابل، سوق الأسماك ، الحدادون إلخ. الجميع عادوا وهذه إشارة طيبة.

كما نقوم بإعادة بناء أحد أكثر المواقع رمزية في الموصل، ومسجد النوري، وكذلك كنيسة الطاهرة وكنيسة الساعة. هذه مواقع رمزية يمكن أن تبعث الأمل للمجتمعات المحلية في الموصل. كما أن لدينا الأخبار الجميلة الأخيرة عن عودة العائلات اليزيدية إلى سنجار، وعن عودة عائلات أخرى من مجتمعات مختلفة إلى قراهم، بعد مغادرتهم المخيمات. ونأمل أن يتم إغلاق المخيمات قريبًا.

تمت إعادة فتح السوق المرممة حديثاً. الصورة مقدمة من محمد.

كيف أثّرت جائحة كوفيد-19 على الحياة في الموصل؟ وكيف تتكيف مبادرات المجتمع المحلي في المدينة مع التحديات التي يفرضها الفيروس؟

لا يزال الوضع تحت السيطرة حتى الآن. لدينا بعض الحالات، على الرغم من أننا نخشى من نقص المعدات الطبية والطاقم الطبي وأجهزة التنفس الصناعي (لا يوجد في مدينة الموصل سوى 15 جهاز تنفس صناعي، يعمل عشرة منها فقط). لذا نخشى من أن يصبح العدد أكير من طاقتنا. ولكن مع حكومة الموصل المحلية والمجتمع المدني، بدأنا الكثير من الحملات لزيادة الوعي حول الجائحة ومساعدة الناس على توخي الحذر واتخاذ التدابير اللازمة لحماية أنفسهم منها.

أعربت مجموعة من المتطوعين الشباب عن امتنانهم من خلال “جدارية الأبطال” للقوات الأمنية والطاقم الطبي الذين تحملوا وطأة هذا الجائحة.

 

 

ما هو أملك ورسالتك للمستقبل؟

لدي دائماً أمل، أؤمن دائماً بالمستقبل، أؤمن دائماً بقوة شباب الموصل للمساهمة في بناء مستقبل أفضل للمدينة. هناك إمكانات هائلة لمستقبل قوي جداً في الموصل. ما يعطيني الأمل هو أنني بدأت أرى الشركات الناشئة، والشركات الصغيرة، ورواد الأعمال الشباب – ينمون.

كما فوجئت برؤية فيديو جميل جداً من جامعة الموصل لطلاب موصليين وهم يتحدثون عشر لغات تقريباً: الهولندية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية وغيرها من اللغات. فوجئت برؤيتهم. لكن يأخذ هؤلاء الشباب الذين قرروا العودة إلى الموصل مسؤولية إعادة بناء المدينة على عاتقهم. ويمثل هذا أملاً للموصل. إذا تابعنا هذه الجهود، أعتقد أن مستقبلنا سوف يكون أفضل.

انظروا دائما للموصل على أنها مدينة جميلة. لا تركزوا على سنوات داعش القليلة. الموصل ليست داعش.

رسالتي للعالم هي انظروا دائما للموصل على أنها مدينة جميلة. لا تركزوا على سنوات داعش القليلة. الموصل ليست داعش. أراد داعش تشويه سمعة المدينة. لدى الموصل عوامل أكثر جمالاً بكثير لكي يتم اكتشافها. لدينا المئات من المواقع السياحية – نأمل أن نتمكن من إعادة تأهيلها لدعوة العالم لزيارتها. لدينا جامعة جميلة وهامة في مدينة الموصل. وهذه الجامعة هي نافذتنا إلى العالم. يرجى الاتصال مع الجامعة، والبقاء على تواصل معهم. أرسلوا لنا كتباً، أرسلوا لنا أشجاراً، أرسلوا لنا رسائل دعم (وهي أقل ما يمكنكم القيام به إذا كنتم لا تستطيعون إرسال كتب). دائما أرسلوا لنا هذه الأنواع من الرسائل لأننا نأخذ الأمر على محمل الجد ونشعر أنه يتم الاعتناء بنا، ونحن لا نزال جزءًا من العالم.

ساعدونا على إشهار الموصل من جديد، وأبطلوا إرهاب داعش لمنع حدوث ذلك مرة أخرى، وابنوا التعايش ومستقبلاً أفضل للموصل ولبقية العالم.

 

الموصليون في بداية عام 2020 يعبرون عن رغباتهم للمدينة خلال العام المقبل. لاحظ رجاءً أنه تم تصوير هذا الفيديو قبل أن تدخل تدابير السلامة من كوفيد-19 حيز التنفيذ.

 

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك, يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد