قبل عام، في 23 آذار/مارس 2019، تم تحرير بلدة الباغوز (شرق سوريا) من تنظيم داعش. الأمر الذي وضع حداً لوجود التنظيم على الأرض بعد ستة أسابيع من القتال المحتدم.
في ذروة توسعه أواخر العام 2015، سيطر تنظيم داعش على ما يزيد عن 100,000 كيلومترٍ مربعٍ من أراضي سوريا والعراق. وبعد تصدي التحالف وشركاءه المحليين له، خسر داعش مدينة الموصل في تموز/يوليو 2017، وسرعان ما خسر الرقة إثر ذلك في تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته. وحتى مطلع العام 2019، كان داعش لا يزال محتفظاً فقط بقطعة صغيرة من الأراضي في منطقة الباغوز قرب الحدود العراقية السورية. واستطاعت الدفعة الأخيرة المتضافرة من طرد الإرهابيين من البلدة، وإنهاء سيطرة داعش على أي أراضٍ.
العودة إلى الحياة الطبيعية
بعد خسارة داعش للمنطقة، سعى سكان الباغوز والمناطق المحررة في سوريا كما في العراق إلى إعادة بناء حياتهم من جديد. فقد كانت البنية التحتية متضررة جرّاء المعارك ضد داعش. وكان الحكم المدني منعدماً، فيما سبل العيش للمدنيين غير متوفرة. الأمر الذي شكّل تحدياً كبيراً للسكان المحليين من أجل إعادة بناء مجتمعهم من الصفر.
خلال العام السابق، ورغم الظروف، عادت الأمور نوعاً ما إلى ما يشبه الحياة الطبيعية في المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش. وعملت المجالس المحلية، بدعمٍ من التحالف الدولي، على تقديم المساعدة بهدف إعادة تنشيط الحياة الاقتصادية، وإعادة بناء البنية التحتية الحيوية كمحطات توليد الكهرباء والطرقات، وتأهيل المشافي والمدارس في المناطق المحررة.
مستشفى الطبقة في محافظة الرقة مثلاً، أحد المنشآت التي جرى إعادة ترميمها بعد خروج تنظيم داعش من المدينة. واليوم يوفر المشفى الرعاية الطبية لأكثر من 500,000 شخصٍ في المنطقة، وقد بات مجهزاً للتعامل مع حالات الطوارئ والأمومة على حد سواء. وفي أماكن أخرى في الرقة، أعادت السلطات المحلية تأهيل أكثر من 75 مدرسة وأنشأت 11 مركزاً للأطفال، لتكون مصدر أملٍ وفرصةً لجيلٍ خلّف النزاع أثراً عميقاً لديه.
ومع تحسّن الوضع الأمني، عاد عشرات الآلاف من الناس إلى بلداتهم وقراهم. ومنذ أواسط العام 2019، ساعدت قوات سوريا الديمقراطية على عودة آلاف النازحين إلى منازلهم، بعد أن لجؤوا إلى المخيمات والمجتمعات المحلية المضيفة في شمال شرق سوريا. كما يغادر يومياً المزيد من المدنين مخيم الهول للنازحين، الذي يشكل النساء والأطفال 90% على الأقل من قاطنيه.
ورغم المخاوف من إعادة إدماج من بقوا في مناطق سيطرة داعش سابقاً حتى النهاية، سواءٌ بإرادتهم أو بالقوة، قبلت العديد من المجتمعات المحلية بصدر رحب عودة جيرانهم. وفي بعض المناطق التي هي بأمسّ الحاجة إلى إعادة الإعمار، تدخلت الشبكات المجتمعية القوية لتسهيل إعادة دمج النازحين بموجب وساطات عشائرية أنتجت صفقات بين قوات سوريا الديمقراطية والعشائر في الرقة ودير الزور. بموجب هذه الوساطات، وافق قادة العشائر المحلية على رعاية العائدين وتحمل مسؤوليتهم. وعادت المجموعة الأولى التي ضمت أكثر من 700 نازحاً إلى الرقة والطبقة في الأول من حزيران/يونيو 2019.
وفي المجمل، تعهد شركاء التحالف بما يزيد على 20 مليار دولار لدعم العراق وشمال شرق سوريا، لتعزيز المكاسب العسكرية التي لم يكن من الصعب تحقيقها، وتوفير المساعدة للمناطق المحررة وتقديم برامج تحد من التطرف.
معالجة التحديات الأمنية العالقة
ومع تداعي آخر معقل لداعش في الباغوز، تمكنت قلةٌ من عناصر التنظيم الإرهابي من الهرب للاستمرار في أعمالهم الإرهابية والوحشية في الداخل والخارج.
وانتشر المقاتلون المتطرفون في أطراف صحارى وجبال العراق وسوريا، حيث لا يزالون يخططون ويقومون بالعمليات الإرهابية الدموية ضد القوات الأمنية المحلية والمدنيين على حد سواء. ففي شرق سوريا فقط، حدثت مئات الهجمات بالعبوات الناسفة واغتيالات استهدفت عناصر قسد ومدنين، و خصوصا في المناطق التي لا تزال في طور مبكر من التعافي في محافظة دير الزور.
رغم ذلك، لا يزال نطاق هذه الهجمات ووتيرتها بعيدين عن قدرات داعش القتالية السابقة، فيما تستمر العمليات ضد داعش دون هوادة بقيادة التحالف الدولي وشركاءه المحليون، قاطعةً المجال والموارد أمام الإرهابيين لإعادة تنظيم صفوفهم بفعالية.
وكثّف التحالف الدولي جهوده أيضاً لأسر أو تحييد عناصر داعش – على وجه الخصوص قائدهم، أبو بكر البغدادي، الذي قُتل في شمال غرب سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2019. وتم إحراز التقدم أيضاً عن طريق الإخلال بنشاطات المقاتلين الإرهابيين الأجانب الباقين، الذين استطاع بعضهم من الوصول لداعش والانضمام إليه؛ وتمكن التعاون الوثيق بين البلدان من اعتقال عشرات المقاتلين الإرهابيين الأجانب عندما كانوا يحاولون التواري عن الأنظار أو العودة إلى بلدانهم الأصلية.
ولا يزال التحالف مستمراً بتدريب الجهات الأمنية المحلية والوطنية الفاعلة على الأرض بالمهارات التي يحتاجونها لضمان هزيمة داعش بشكل دائم. حيث تلقى أكثر من 210,000 عنصرٍ من الشرطة والجيش (في العراق وسوريا) تدريباتِ متخصصة في العمليات الهندسية، والطبية، وإزالة العبوات الناسفة وحرب الشوارع.
المضي قدماً
وبعد مرور سنة على سقوط الباغوز، وبدعمٍ من التحالف، بدأ سكان سوريا والعراق عمليةً من المؤكد أنها ستكون طويلةً لإعادة بناء مجتمعاتهم بطرقهم الخاصة، بعيداً عن فكر داعش المتطرف. وعلى الرغم من أن فلول داعش لا تزال تشكل تحدياً جماً، إلّا أن التحالف وشركاءه المحليين متحدون بالتزامهم لضمان هزيمة داعش بشكل دائم ولبناء مستقبل أكثر إشراقاً.
في العراق، يقوم التحالف بتعديل موقعه لسببين: تعديلات تم التخطيط لها طويلاً للقوات العسكرية تعكس النجاح في الحملة ضد داعش؛ وتحركات قصيرة المدى لحماية القوة خلال جائحة فيروس كورونا.
وهذا يعني أن التحالف الدولي يعيد تمركز قواته من القواعد العسكرية الصغرى، لتوضع بذلك تحت تصرف السلطات العراقية. في الوقت الذي نواصل فيه تقديم الاستشارة لشركاءنا لتحقيق هزيمة دائمة لداعش من قواعد عسكرية عراقية أخرى، مقدمين دعماً تخصصياً ضرورياً للغاية.
منعاً للانتشار المحتمل لفيروس كوفيد-19، علقت قوات الأمن العراقية كل التدريب. ونتيجة لذلك، سوف يعيد التحالف بشكل مؤقت بعض قواته التي تركز على التدريب إلى بلدانها في الأيام والأسابيع المقبلة. ويبقى التحالف ملتزماً بهزيمة داعش بصورة دائمة من خلال الشراكة مع قوات الأمن العراقية، و سنستأنف تدريباتنا للقوات العراقية عندما تسنح الفرصة.