منذ سنتين بالضبط من تاريخ اليوم، في 23 آذار/مارس 2019، انسحب مقاتلو داعش من آخر ما تبقّى لهم من الأراضي التي احتلوها في الباغوز الفوقاني. لقد طردتهم قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من التحالف، التي ضمت صفوفها الأمامية أفراداً من قبيلة الشعيطات العربية السنّية، والتي عانت الكثير من وحشية داعش.
ومع انتهاء العمليات، فرَّ مقاتلو داعش وأسرهم إلى المخيم ذو الخيام المزرية الذي انسحبوا إليه. وتحت وطأة ضغط شديد ومتواصل، رجحت بعض التقارير إقدام داعش على إعدام مقاتليه.
مثّلت خسارة داعش للباغوز الفوقاني لحظة ذات قيمة رمزية بامتياز، فنهاية خمس سنوات تقريباً من الرد العسكري المضني شكلت مؤشراً على النهاية المخزية لأطماع داعش الإقليمية في بلاد الشام.
وفي أوج قوته استولى داعش على حوالي 41,000 ميلاً مربعاً في العراق وسوريا، ومكّنه هذا النفوذ من قتل وإذلال وابتزاز المدنيين للسيطرة على أموالهم. وسرق على نحو ممنهج موارد المجتمعات المحلية، من النفط إلى القطع الأثرية، في محاولة أثبتت فشلها في نهاية المطاف في مواصلة حملة العنف الداعشية.
بالنسبة لداعش، كان التمسّك بالأراضي أمراً محورياً للحفاظ على جاذبيته للمتطوعين الجدد، وكان الأفضلية الملموسة التي امتاز بها على القاعدة والجماعات الجهادية السلفية الأخرى. وكان ادعاؤه “حكم” الأراضي التي استولى عليها حجر الزاوية في الدعاية المصممة لجذب المتطوعين من شتى بقاع الأرض. لكن ما اكتشفه هؤلاء المتطوعون عند الوصول كان مُروِّعاً وبعيداً عن الجنة المثالية التي رسمتها مقاطع الفيديو والمجلات الخاصة بداعش، فقد وجدوا قذارةً وجوعاً وحكماً فاسداً تعسفياً.
وفي الأسبوع الماضي تحديداً، وصفت امرأة كازاخية سافرت لسوريا للانضمام لداعش “أوجه الظلم الشنيع” الذي شاهدتهم يرتكبونه. ونقل مواطنون سوريون احتل داعش بلداتهم ومدنهم “استحالة بقاء البشر على قيد الحياة،” و”عدم توافر الحرية” هناك.
في كانون الأول/ديسمبر لعام 2017، أعلن رئيس الوزراء العراقي آنذاك، حيدر العبادي، الانتصار على داعش في العراق. من جهة أخرى، استمر الصراع في سوريا، حيث شهدت حملة دير الزور قوات سوريا الديموقراطية – المدعومة من حلفاء التحالف الدولي – وهي تطارد داعش إلى مساحة صغيرة من الأرض في وسط وادي نهر الفرات.
وبينما كان ينحسر إقليمياً، انتقلت دعاية داعش من الغطرسة ونشوة الانتصار، إلى تحذيرات من أن مقاتليه قد يضطرون إلى تحمُّل المشاق. كان ذلك تغيراً هائلاً؛ إذ أثبت تظاهر داعش بكلٍ من المَنعَة والدولة، بين صفوف أنصاره، قدرته العالية على التحفيز. وتم تقويض سمعته الشرسة على نحوٍ متزايد في الأشهر التي سبقت هزيمته في الباغوز، وكانت مؤخرة جيش داعش تخوض معركة ليس للدفاع عن أراضيه المتلاشية بسرعة فحسب، ولكن للدفاع أيضاً عن اسم كان بريقه يخفت.
وبعد عامين على هزيمته على ضفاف الفرات، لا يزال داعش مستميتاً لاستعادة أهميته. وبينما تبقى نزواته الإقليمية بعيدة المنال، لا يزال قادراً في شمال وشرق سوريا على ترهيب المجتمعات المحلية التي لفظته بحزم. وفي المنطقة الغربية، في مناطق صحراء البادية التي تقع اسمياً تحت سيطرة النظام السوري، تشكل الزيادة الأخيرة في أنشطة العمليات سبباً يدعو إلى القلق.
ولضمان عدم عودة ظهور داعش، يواجه المجتمع الدولي تحديات جسيمة، أبرزها ضمان استتباب الأمن في البلدات والمدن والأرياف التي استبدَّ بها داعش سابقاً، وتقديم العدالة لأولئك الذين عانوا تحت احتلال داعش الغاشم، والعودة الآمنة وإعادة اندماج النازحين. وفوق كل شيء، إنهاء نزاع دام عشر سنين في سوريا.
في الأسبوع الماضي، كرر وزراء خارجية الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا وإيطاليا تأكيد دعمهم لمهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيترسون لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، القاضي بإنهاء النزاع من خلال عملية سياسية شاملة، وصرحّوا:
“لا يمكننا السماح لهذه المأساة بالاستمرار لعقد آخر.”
وفي أماكن أخرى من العالم، في إفريقيا على وجه التحديد، تقوم جماعات موالية لداعش بالعيث بالفساد على نحو متزايد. ويتعيَّن اعتبار هذا أيضاً أولوية أمنية مشتركة مُلِحَّة.
وبالنسبة للصورة المُحدِّدة لداعش في سوريا، ينبغي علينا ألّا ننظر إلى عروض قوته ووحشيته المدروستان للغاية. وعوضاً عن ذلك، ينبغي علينا تأمُّل صور الأرض المهجورة والحطام المتناثر في الباغوز، في أعقاب هزيمته الأخيرة. لم يتعافَ اسمه من تلك الهزائم العسكرية والإقليمية، أو من الشهادات العديدة التي فضحت الواقع الكئيب من وراء دعايته. لكن، بينما يواصل داعش التخطيط لأعمال عنف من أوكاره الصحراوية، تبقى اليقظة الجماعية ذات أهمية جوهرية، وكذلك الأمر بالنسبة للجهود الدولية لمواصلة إرساء الاستقرار للمجتمعات المحلية التي سعى داعش ذات يومٍ إلى تدميرها.