بينما احتفل العالم باليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، نلقي نظرةً على شمال شرق سوريا، حيث يقطن الأهالي من خلفيات دينية وعرقية واجتماعية متنوعة يجمعهم تاريخ مشترك. شمال شرق سوريا أرض من أعراق متنوعة، من بينهم العرب والأكراد والآشوريون والسريان والأرمن والتركمان، من بين آخرين. تساهم كل مجموعة بتقاليدها الفريدة ولغتها وعاداتها في التنوع الثقافي للمنطقة. وبالمثل، يزدهر التعايش الديني، حيث تمارس المجتمعات الإسلام والمسيحية والايزيدية وأدياناً أخرى. على مدى قرون، ساهمت هذه المجتمعات في النسيج الثري للمجتمع، فاحتضنت أوجه التشابه بينها واحتفت باختلافاتها.
واجهت منطقة شمال شرق سوريا فترة مظلمة خلال احتلال داعش من 2014 حتى 2019 – عندما تم تحرير آخر جيب في الباغوز من قبل قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف. قامت المجموعة الإرهابية بشكل منهجي بقمع وإضطهاد الأقليات العرقية والدينية، في محاولة ممنهجة لإخماد نسيج الثقافات التي ازدهرت لقرون.
منذ التحرر من داعش ، أظهر سكان شمال شرق سوريا مرونة في مواجهة التحديات الجمة، حيث قرروا إعادة بناء مجتمعاتهم. اتخذ قادة المجتمع والمربون ومنظمات المجتمع المدني خطوات استباقية لتسهيل الحوار الذي يربط بين الانقسامات ويعزز التعاطف. أصبح التأثير أكثر وضوحًا في شباط/فبراير 2023، بعد الزلزال الذي ضرب تركيا وشمال سوريا، حيث أظهر سكان المنطقة مثالًا قويًا على التضامن. تم جمع أكثر من 140 حمولة شاحنة من مساعدات الإغاثة وشحنها إلى المناطق المتضررة في شمال غرب سوريا بينما استمرت حملات جمع الأموال على قدم وساق. وقال حمدان العبد نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية: “اجتمع أشخاص من خلفيات وأعراق مختلفة لإنقاذ المتضررين من الزلزال في شمال غرب سوريا ، بغض النظر عن أي انتماءات لهم”.
وبدعم من المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وميرسي كوربس، تعمل المجتمعات المحلية على إعادة بناء البنية التحتية تدريجياً وتنشيط الاقتصادات المحلية والاستثمار في التعليم والرعاية الصحية. ويضمن هذا النهج الشامل أن يعود بالفائدة على جميع المجتمعات، بغض النظر عن الخلفيات العرقية أو الدينية.
الاحتفال بتنوع التقاليد في شمال شرق سوريا يعزز الانسجام بين الثقافات ويعمل كجسر يتجاوز الحدود ويعزز القيم المشتركة التي تربط بين سكان هذه المنطقة. يفتخر السوريون هناك بنسيج نابض بالحياة من التقاليد المشهورة، بما في ذلك فن النسيج اليدوي، ومأكولات الطهي الغنية التي تمزج بين التأثيرات العربية والكردية والآشورية، والاحتفالات الدينية للمجتمع الايزيدي والعديد من الأشياء الأخرى التي تعزز الوحدة. ظهرت مبادرات محلية مثل مدرسة لوسين قصبيان للرقص، مما مكّن الناس من الاحتفال بتراثهم. أنشأت لوسين مدرسة للرقص تجمع الشباب من خلفيات عرقية متنوعة لإحياء رقصة الدبكة الشعبية التقليدية في المنطقة، والتي تحتل مكانة خاصة في قلوب سكان الشمال الشرقي السوريين. وقد أعربت لوسين عن أنه “على الرغم من أن لكل شخص لغته الخاصة أو خلفيته العرقية، إلا أنهم مرتبطون من خلال الدبكة“.
لا تزال رحلة التعافي في شمال شرق سوريا مستمرة. تعزز المشاريع والمبادرات المشتركة التعاون الاقتصادي والتبادل الثقافي والمساحات المشتركة التي تحتفي بالتنوع. في هذا اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، دعونا نستمد الإلهام من سكان شمال شرق سوريا الذين قطعوا خطوات جديرة بالثناء لإعادة بناء مجتمعاتهم ومواصلة رحلة التعافي.