لقد سعى داعش من خلال الموت والدمار الذي نشره في مختلف أنحاء محافظة صلاح الدين في عام ٢٠١٤ إلى تدمير النسيج الاجتماعي في المنطقة، وتحريض الجار على جاره وتقويض ثقة سكان المحافظة بالسلطات البلدية الشرعية. وقد أجبرت المذابح التي ارتكبها داعش مئات الآلاف من السكان على الهرب من مناطقهم والعيش لسنوات كمهجرين، حيث أقام كثير منهم في مخيمات مخصصة للمهجرين لكنها مكتظة بالمقيمين فيها. واليوم، بعد ٤ سنوات من التحرير، تعمل القوى الأمنية العراقية مع شركائها في التحالف الدولي على ملاحقة ما تبقى من فلول داعش لحماية المهجرين العائدين لدى عودتهم إلى مناطقهم في محافظة صلاح الدين وسعيهم إلى إعادة بناء مجتمعاتهم المحلية.
في شارع سكني في بيجي، وهي ثاني مدن صلاح الدين وتضم أكبر مصفاة للنفط في العراق، بدأ الكثير من المهجرين بالاستقرار مرة ثانية في بيوتهم. ويناقش الجيران جهود إعادة الإعمار الجارية حيث أعادت الحكومة المحلية والمنظمات الدولية تأمين الخدمات المحلية الأساسية كمرافق مياه الشرب والمدارس والمستشفيات. كما يتحدثون عن مزيج من الارتياح لعودتهم إلى مناطقهم والقلق بشأن المستقبل: كيف سيجدون فرص عمل أو كيف سيحافظون على تعليم أبنائهم؟ لكنهم برغم التحديات التي يواجهونها مصممون على البقاء في مناطقهم، فحوالي ٩٥٪ من أهالي بيجي يرغبون في البقاء في المدينة في “المستقبل المنظور”.
وقد عاد حتى الآن أكثر من نصف الأشخاص الذين هُجروا من بيجي (والبالغ عددهم حوالي ١٤٠,٠٠٠) بسبب ممارسات داعش العنيفة. وقد عملت الحكومة والقوى الأمنية العراقية دون كلل منذ تحرير صلاح الدين في عام ٢٠١٧ لتيسير عودة المهجرين واتخذت إجراءات شاملة للتدقيق الأمني لضمان سلامة المهجرين ولاستبعاد أية وصمة قد تلحق بهم عند عودتهم. وقد حققت تلك السياسة عدداً من النجاحات، حيث أعلنت وزيرة الهجرة والمهجرين العراقية إيفان فائق جابرو في كانون الأول ٢٠٢٠ أن الوزارة قد أغلقت ١٨ مخيماً للمهجرين في مناطق مختلفة من العراق ومن بينها جميع المخيمات في محافظة صلاح الدين.
أصبحت السلطات المحلية المسؤولة عن المهجرين العائدين تركز على موضوع إعادة الاندماج وتفكر بكيفية البدء بتضميد الجراح التي خلفها داعش ضمن المجتمع. ففي مدينة بيجي، استغل داعش الهموم الاقتصادية للسكان وشكاواهم من الحكومة المركزية وحاول زيادة التوترات الطائفية، لذلك يتعين على أية سياسة ناجحة للإدماج أن تأخذ هذه التحديات بعين الاعتبار. ومن هذا المنطلق، أنشأت وزارة الداخلية العراقية وحدات للشرطة المجتمعية في بيجي لتقوم بدور صلة الوصل بين العائدين والسلطات المحلية والجهات الأمنية. تمثل هذه الوحدات، التي تتكون بشكل أساسي من عناصر من بيجي نفسها، آلية هامة لأهالي بيجي لتقديم شكاواهم، حيث تمكّنهم من التعبير عن همومهم للسلطات المعنية وتزيد الثقة بمؤسسات الدولة.
تركز إعادة الإدماج على بناء الثقة بين السكان، وتشجيع الأسر والجيران على مناقشة التحديات التي يواجهونها في سعيهم لاستعادة الشعور بالانتماء إلى مجتمع واحد. وبطبيعة الحال، شعر بعض أهالي بيجي بالريبة من العائدين في البداية، لكن مع مرور الوقت أصبحت الغالبية العظمى منهم يشعرون بالثقة والانسجام فيما بينهم ويتشاركون القيم الاجتماعية والثقافية نفسها. ونتيجة لذلك، أصبح كثير منهم يساعدون جيرانهم رغم ظروفهم الصعبة، فأصبحوا يتشاركون الماء والكهرباء مع البيوت التي لم تتصل بالشبكة أو يشاركون في حملات تنظيف الأحياء.
إن الهجوم البارز الذي حصل قرب تكريت والذي قتل فيه داعش ستة أشخاص من عائلة واحدة بتهمة “التجسس”، يدل على التحديات التي تواجهها القوات الأمنية العراقية وعلى مساعي داعش المستمرة لإحداث الانقسام ضمن المجتمع العراقي. لكن، كما قال يحيى رسول، المتحدث باسم القائد العام للجيش العراقي:
“لا بد من التنسيق عالي المستوى بين مختلف القوى الأمنية في صلاح الدين لتنفيذ عمليات نوعية واستباقية لتطهير هذه المناطق من الخلايا الإرهابية. ولا يكاد يمر يوم دون أن نقوم بعملية ضد هذه العصابات، سواء من خلال الضربات الجوية التي يدعمها التحالف الدولي أو عمليات التفتيش التي وجهنا من خلالها ضربات موجعة لفلول داعش.”
وما تزال القوى الأمنية العراقية ملتزمة بالحفاظ على الأمن في محافظة صلاح الدين وعلى منع داعش من إفساد التقدم الذي أحرزه السكان.