نازحون من الرقة – آراء حول مستقبلٍ بلا داعش

بعد الفرار من مدينة الرقة التي تسيطر داعش عليها، تحدث عدد من السوريين عن بعض الطرق التي تشوِّه بها داعش عقول الأطفال الذين يعيشون تحت سيطرتها، وكيف تقيِّد حركة المدنيين وتواصلهم مع العالم الخارجي. في أواخر تشرين الأول\ أكتوبر استطاع التحالف الدولي التحدث مع ستة رجال وست نساء كانوا قد وصلوا بأمان إلى تركيا. كانت هذه فرصة للحصول على معلومات مهمة حول الطريقة التي تتعامل بها داعش مع المدنيين في المدينة، كما هي كذلك للاستماء إلى آمالهم ورجاءاتهم. هؤلاء المدنيين الذين اضطروا مقاساة الشنائع التي ترتكبها داعش، يتوقون الآن إلى مستقبل أفضل لمدينتهم. وقد عبروا قبل أي شيء عن رغبتهم بالعدالة، حرية المعلومات، وتعليم عادي وطبيعي لأولادهم.

الشوق إلى حُكمٍ رشيد

بسطت داعش سيطرتها على الرقة في كانون الثاني\ يناير 2014. رغم ثلاث سنوات تقريباً من تطبيق شريعة الوحشية والإرهاب، يعرف المدنيين الذين فروا المدينة ما المطلوب لإعادة مدينتهم واقفة وشامخة على قدميها. الأمر يبدأ بتحرير المدينة. “أياً كان من يحرر الرقة يجب أن يحترم كل أهلها، من سنة وأكراد”، قال حسين، الشاب الرقاوي الذي فر من المنطقة مؤخراً.

أهل الرقة تواقون لمناقشة ما قد يأتي بعد التحرير نفسه. “أهل المدينة ينبغي أن يحكموا مدينتهم، والحكام يجب أن يتم انتخابهم من قبل الشعب،” قال علي، شاب آخر من المنطقة. سكان المدينة لديهم أفكار جلية حول ما يحتاجونه. “لدينا الماء والزراعة،” قالت أم حسن، أم من الرقة. أردفت: “ما نحتاجه الآن هي المدارس والمستشفيات المجهزة بأطباء مؤهلين.”

الواضح أيضاً أن أهل الرقة سيحتاجون إلى قدرٍ كبير من الدعم الخارجي لإعادة المدينة إلى حالتها السابقة. “سنحتاج إلى المساعدة في إعادة الخدمات إلى المدينة،” قال هاشم. “يمكن للصليب الأحمر أن يساعد في إعادة الخدمات الطبية والمنظماتُ الدولية يمكن أن تعين في إعادة بناء المدارس.” أضافت أم حسن بأن المدينة ستحتاج إلى عودة الكثير من أصحاب الخبرات والكفاءات: الطواقم المؤهلة، رجال الأعمال، الأطباء والمعلمون.

أهمية إعلام حر وموثوق

ثلاث سنوات من حكم داعش قد منعت الوصول إلى معلومات موثوقة من داخل المدينة. راديو البيان الذي تديره داعش هو مصدر المعلومات الوحيد تقريباً ويبث فقط بروباغاندا التنظيم. كما علق علي، الإنترنت مضبوط بشدة: “حين تذهب إلى مقهى إنترنت، أنت تحت المراقبة الدائمة. شرطة الحسبة تراجع ما تفعله وتبلغ عنك إن تصفحت أي شيء لا يفترض عليك قراءته بحسب قانون التنظيم.” داعش تطبق أيضاً المعايير المزدوجة. اعتُقِل زوج أم حسن لأنه كان يمتلك تلفازاً وتم إجباره على دفع 50 ألف ليرة سورية (حوالي 100 دولار) وجلده 32 جلدة. “يقولون إنه غير شرعي، لكننا نعرف أن أفراد داعش يتفرجون على التلفاز في بيوتهم،” علَّقت أم حسن.

لكن أهل الرقة يقولون إن الإعلام ضروري لتغيير الرأي العام بعد تحرير المدينة. “يجب أن يستطيع الناس الوصول إلى وسائط التواصل الاجتماعي والصحافة،” قال هاسم. أضاف “نحتاج أن يساعد الإعلام في المصالحة، والناس الذين كانوا يقدمون الأخبار على الأرض خلال الحرب هم أفضل من يستطيع القيام بهذا”.

ساعد الأطفال لعيش طفولة طبيعية

كما في كل النزاعات، الأطفال هم من يعاني الأمرين. “أطفالنا شهدوا القصف، استمعوا إلى الآباء يتحدثون عن العقوبات والجرائم، عن الذبح، وأجبروا على مشاهدة الإعدامات العامة،” قالت مها، أمٌّ أخرى من الرقة. أضافت “هم يقلدون الكباء عبر حمل أسلحةٍ ألعاب وعبر الصياح بألفاظ من مثل “سأذبحك!” حين يلعبون معاً.”

بحسب أهل الرقة، التعليم هو ما سيساعد أطفالهم على نسيان ما تم به غسل أدمغتهم في مدارس داعش – وأيضاً نسيان فظائع الحرب. “يجب تعليم أطفالنا باستخدام مواضيع مفيدة مجدداً، كالرياضيات والفيزياءء واللغات الأجنبية كالإنكليزية والفرنسية،” قالت مها. أضافت: “لكنهم يحتاجون إلى الحدائق العامة أيضاً وإلى الاستمتاع بطفولتهم وهم يلعبون معاً ويقضون الوقت في الهواء الطلق والطبيعة”. الجميع متفقون بأن الأطفال يحتاجون للوقت كي يشعروا ويحسوا كأطفال مجدداً، وكي يشعروا بالأمن والأمان.

الرغبة بنسيان ما حدث وإعادة بناء المدينة هي في الحقيقة ركيزة حديث الناس الذين فروا الرقة أو أي منطقة أخرى تأثرت من حكم داعش الدموي. هذه الجمل البسيطة من هؤلاء الناس تظهر أنه بعد ثلاث سنوات من الرعب، ما زال المدنيون يحتفظون بقدرتهم على تخيل غد أفضل لأنفسهم وأطفالهم – والتفكير بابتكاء حولل الخطوات الضرورية لتحقيق آمالهم. إعادة إعمار سوريا وأجزاء العراق التي عانت من سيطرة داعش سيتطلبب حكماً الاستماع إلى هذه الأصوات.

 

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك, يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد