قصص رمضانيات: الوشم الذي هزم داعش

بقي ث ثة أحفاد مع جدتهم في منزل ضمن بناء أرضي في شارع القوتلي، ويضم على جانبيه مح ت كانت في السابق مقصداً للمزارعين. في السابق كانت زينة (أم العبد) تقيم مع أبنائها في منزل مستأجر بشارع تل أبيض، وهو من أكثر المعالم العمرانية حيوية في المدينة، ويعد سوقاً للتجار الميسورين. مع مغادرة أبنائها المدينة استمرت بدفع ا جار شهوراً حيث كان أبناؤها يرسلون لها مبلغاً بسيطاً عبر وسطاء من شبكة ا قارب.

مطلع العام 2015 بات التنظيم أكثر سطوة في المدينة بحسب زينة التي تقول إن شارع تل أبيض تحول إلى ساحة ل عدامات وقطع الرؤوس وصلب المخالفين للتنظيم. وطلب منها مسؤول “ديوان العقارات” بإخ ء منزلها في شارع تل أبيض سكان إحدى عوائل “المهاجرين”، وكان مقات ً تونسياً مع زوجتين من الرقة.

تتواجد أم العبد حالياً قرب بلدة عين عيسى، شمالي الرقة، وهي مناطق تقع تحت سيطرة قوات سوريا

الديمقراطية. وتمكنت من الخروج من عاصمة داعش بعد فوضى سادت المدينة إثر غارات عنيفة من التحالف الدولي على مقرات التنظيم داخل المدينة ومداخلها مطلع شهر أيار 2017. ولم يعد النزوح خطيراً كالسابق، فالمسافة التي قطعتها أم العبد لم تتجاوز بضعة كيلومترات شما ً حيث ترفرف أع م قوات سوريا

الديمقراطية، وهناك تم نقلها إلى مخيم عين عيسى الواقع بالقرب من البلدة ويضم نحو 20 ألف نازح، أكثر من نصفهم دخلها الشهر الماضي.

 

 

تصاب أم العبد بالريبة حين ترى فتيات بغطاء الرأس الشعبي وتواجد رجال ونساء معاً. ما زالت بقايا كوابيس داعش ت حقها. جميع النازحين في المخيم لهم قصص مع التنظيم. تقول أم العبد إن واحدة من النازحات فقدت ابنها البالغ 9 أعوام في الرقة. الحياة ليست مثالية في المخيم، لكن تهديد لحياة أحد هنا: عقوبات و جلد و صلب و عناصر “حسبة”، فقط نحتاج إلى متطلبات العيش البسيطة التي تتوفر بصعوبة. وتقول إن هناك لجان إغاثية محلية مثل لجنة إدارة شؤون نازحي الرقة التابعة ل دارة الذاتية الديمقراطية، وكذلك منظمة “روجآفا”، إ أن أن العدد الكبير من النازحين يتطلب جهوداً أكبر.

وتوزع المنظمات المحلية س ل غذائية تحتوي على وجبات معلبة، وحصص أسبوعية من الزيت والرز لكن تكفي الجميع، لذا يتم اعتماد نظام التوزيع الجزئي. تعرف أم العبد العديد النازحين في المخيم، وتعود هذه المعرفة إلى فترة إقامتها في الرقة، وجزء منهم ضمن شبكة ا قارب. وتؤكد أن مسؤولين من ا دارة الذاتية يخشون وجود عناصر من داعش بين النازحين، وهناك تعاون مع ا هالي لعدم السماح بتسلل عناصر التنظيم إلى المخيم.

تروي أم العبد البدايات الصعبة هل الرقة مع التنظيم. وتقول إن الصعوبة ا كبر تذكر القوانين التي فرضوها في كل حركة، ن إغفال أي منها يعرض صاحبه لخطر العقوبة من جهاز الحسبة السيء الصيت. وتقول إن التنظيم اعتمد على الترهيب عبر العقوبات العلنية في الساحات العامة. ففي واحدة من الوقائع في شهر رمضان 2016 قام التنظيم بصلب أربعة شباب دفعة واحدة في دوار تل أبيض بالرقة بتهمة ا فطار.

تصمت أم العبد وهي تتذكر تفاصيل ذلك اليوم. تقول إن حفيدها الصغير البالغ أربعة أعوام كان برفقتها، وأخطأت حين دفعها الفضول إلى ا قتراب من التجمع الشعبي حول الدوار وهم ينظرون إلى أربعة شبان. أصيبت المرأة الخمسينية بالهلع حين شاهدت أنين أحد المصلوبين ا ربعة يحرك رأسه بصعوبة ويصدر أنيناً عميقاً نتيجة ا لم الشديد من مسامير كبيرة تخترق قدميه ويديه ونزيف حاد صبغ جسمه باللون ا حمر. انتشرت قصص الشبان ا ربعة سريعاً، وهذا ما يريده عناصر داعش: إرهاب السكان بالعقوبات. تقول أم العبد إنه في كثير من الحا ت تكون التهمة مثبتة ومع ذلك يتم تنفيذ العقوبة ن المهم إرهاب الناس وليس صحة التهمة.

في اليوم التالي تنتشر رواية أخرى للمصلوبين ا ربعة الذين قتلوا جميعاً. كان أحد الشبان يعاني من التهاب حاد في الحلق وجلب أدوية من الصيدلية. في ظهيرة ذلك اليوم الرمضاني تناول دواءه حين كان مع أصدقائه في السيارة بشارع تل أبيض. والدين ا س مي يحلل للمريض ا فطار في رمضان وفق قواعد شرعية معروفة للجميع، بوجود داعش أو بدونها. وتضيف أم العبد أن أحد عم ء داعش شاهد الشاب وهو يتناول الحبة في السيارة، فقام بالتبليغ على الفور. ولسوء حظ هؤ ء الشبان فإنهم توقفوا في السوق لشراء بعض الحاجيات حيث البقية صائمون. قبض عناصر الحسبة عليهم جميعاً ولم يقبلوا بصحة صيام الث ثة بحجة أنهم لم يمنعوه من ا فطار علناً ولم يبلغوا عنه!. لم تنفع كل توس ت الشباب، وتم تنفيذ الحكم خ ل نصف ساعة بعد القبض عليهم.

تقول أم العبد إن أقل الناس عرضة للخطر في ظل تنظيم داعش هم النساء كبيرات السن والرجال كبار السن. إذ يهتم التنظيم كثيراً بهذه الفئة طالما أنهم يخرقون القواعد ويرى أنه فائدة منهم بل يعتقد أن كبار السن غير قابلين لـ”ا ص ح”. لذلك كانوا أكثر الفئات المهمشة في المدينة، فالتركيز ا ساسي ينصب على ا طفال والفتيات غير المتزوجات ثم الشباب.

في رمضان، يمنع على النساء الخروج من منازلهن طيلة النهار مهما كانت ا سباب. ولي ً يكون الخروج بشرط مرافقة قريب من الدرجة ا ولى. هذه القاعدة لم تكن تطبق على كبيرات السن دائماً. وكانت تلك نقطة استثمرتها ام العبد التي كانت تبالغ في “عفويتها” مع عناصر التنظيم حين يتحتم عليها الحديث معهم، وتتجاوز المتاعب التي يمكن أن يسببوها لها. تقول أم العبد إنها بهذا ا سلوب تمكنت من معرفة جوانب سرية في الحياة العائلية لعناصر التنظيم.

وتقول زينة أم العبد التي تضع وشماً على ذقنها كغالبية نساء الرقة ضاحكة بعد حديث ساده الوجوم وا لم: “غيّر عناصر داعش كل شيء في الرقة عبر ا رهاب والصلب وقطع ا يدي وفرض نمط غريب من الم بس على الرجال والنساء ومنعوا ا وشام وفرضوا عقوبة على من يضع جديداً منه.. لكن بقيت ا وشام القديمة على وجوه نساء الرقة تمثل ع مة نادرة وربما وحيدة على شيء عجزوا عن تغييره”

 

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك, يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد