رمضان قبالة البحر – فرصة عائلة سورية للتعافي من رعب داعش

هذه السنة، تصوم أمل وزوجها وولداهما شهر رمضان معاً في مدينة طرطوس الساحلية في شمال غرب سوريا. تعيش العائلة الآن في شقة صغيرة قرب الحديقة، حيث يتناولون الإفطار خلال شهر رمضان مع جيرانهم. “سعادة أولادي تنعكس علي”، تقول أمل وهي تفكر بابنيها حمزة (10 سنوات) وكريم (ابن الثامنة)، وهما يتمتعان بحرية الحركة واللعب خارج البيت. “الأيام الأولى من رمضان قد نشطت الولدين” تقول أمل. “أبوهما أحمد يأخذهما إلى صلاة التراويح، وبعدها يتحمسان كثيراً حين يلعبان في الحديقة بعد الإفطار بحيث من الصعب إقناعهما بالنوم بعدها”، تقول أمل مبتسمة. تقول أمل إن الأمان في طرطوس يبقى مفهوماً نسبياً ولا ينبغي للولدين أن يعتادا كثيراً على أسلوب الحياة هذا، لكن تضيف: “أعلم أنهما مرا بأوقات صعبة، لذا أشعر أنهما يستحقان بعض اللعب والمرح.” حين تفكر “أمل” بكل ما مرت بها أسرتها الصغيرة قبل الوصول إلى طرطوس والاستمتاع بقضاء الشهر الفضيل هناك، تعلِّق على الوضع فتقول: “إن هذا الهدوء هو تماماً ما تحتاجه العائلة.”

“أمل” بالأصل من مدينة يبرود، على الطريق بين دمشق وحمص، بالقرب من الحدود اللبنانية. بعد تزوجها من أحمد، انتقلا إلى مدينة تدمر بحكم عمل الأخير في المديرية العامة للآثار والمتاحف. تحولت المدينة إلى مسرح للعمليات القتالية بين النظام والمعارضة حين اندلعت الحرب في سوريا. في عام 2013، بدأ الجيش السوري بقصف مواقع المعارضة كل ليلة، وتمركز في المتحف الواقع بين المدينة والمنطقة الأثرية.

 

في أيار 2015، تحولت الأمور من سيء إلى أسوأ. قادمين من الشمال الشرقي، جاء رجال متشحون بالسواد وأطلقوا هجمة عسكرية دامت 13 يوماً، مستغلين انشغال جيش النظام بمحافظة إدلب، حيث كانت تحدث معارك طاحنة. بحلول السادس والعشرين من ذات الشهر، انتهى القتال وبدأ رجال داعش بفرض حكمهم على المدينة. وكما هي الحال في كل المناطق الواقعة تحت سيطرته، نظر التنظيم إلى الشباب المحلي بعين الشبهة، متهماً إياهم بالارتداد أو “التواطؤ” مع الجيش السوري الحر أو كـ “عملاء” للنظام السوري. ونظراً لعمل أحمد في مديرية تابعة للدولة، فإن انتباه داعش قد التفت إليه  حيث زجوا به في السجن. قضى زوج أمل شهوراً من التعذيب في سجون التنظيم. ولم يكن حالها هي الأخرى أو حال ولديها أفضل منه. “أجبرونا على حضور الدورات الشرعية كما لو لم نكن مسلمين”، تستذكر أمل. كل نساء المدينة أجبرنَ على حضور هذه الدورات، أما حمزة وكريم فقد أجبرا على الخضوع لتدريب عسكري. “حين كنا نعيش في تدمر، لم ندرك الصدمة النفسية التي سيحفرها التنظيم في وجداننا ونحن نشهد ونرى الشنائع بأعيننا كل يوم”، تقول أمل. كل ما عرفته أمل أنها يجب أن تخرج من تدمر مع ولديها، لكنها لم تكن لتتخلى عن زوجها وتتركه وراءها.

خرج أحمد من سجون داعش في بداية عام 2016، بعد شهور قليلة من استعادة النظام لقبضته على المدينة في أيار من ذات العام. لكن المسكين سرعان ما تم زجه في المعتقل مرةً أخرى ليقضي شهرين آخرين تحت رحمة قوات النظام. لكن هذه المرة عمله في المتحف وشهادة زملاءه بحسن سلوكه شفعت له لدى النظام. حين أطلق سراح أحمد من الحجز أخيراً كان في حالة سيئة صحية يرثى لها: كان قد أصبح رجلاً هزيلاً بعد فقدانه لمعظم وزنه وعنقه مكسور. لكنه بالتأكيد كان الأكثر حظوةً بين زملائه، فمعظمهم قضى على يد داعش الذي أعدمهم في المسرح الروماني الشهير بالمدينة.

بعد خروج أحمد، قررت العائلة مغادرة تدمر وانضمت إلى موجة من النازحين المتجهين إلى مخيم الحدلات على الحدود ما بين سوريا والأردن. خلال فترة الشهور التي قضوها في المخيم، تلقى أحمد بعض العناية الطبية البسيطة. أمل كانت قلقة جداً عى صحة ابنها الأصغر “كريم”، إذ حين مغادرتهم لتدمر، كان كريم – الذي أجبر على الخضوع لتدريب داعش العسكري وتلقينها الإيديولوجي – كان محطماً نفسياً. من قلقها أخذته أمل إلى اختصاصي نفساني أخبرها بأن ولدها يعاني من صدمة نفسية. وأثناء إقامتهم في المخيم ساءت حال كريم أكثر، فبدأت تأتيه نوبات هستيريا ويبكي ويصرخ الليل كله أحياناً. طلبت أمل المساعدة لكن تجلى لها أن الرعاية الطبية البسيطة في المخيم ليست كافية لعلاج ابنها. أخبرها متطوع في الصليب الأحمر السوري أن بإمكانه نقل الأسرة إلى مخيم نازحين آخر في ضواحي دمشق، حيث يمكن لكريم الخضوع للعلاج. لم يكن الوضع في المخيم الدمشقي أفضل حالاً من نظيره في الحدلات. “الكثافة السكانية والغلاء المعيشي ساهم في خلق جو مشحون كنا نحاول الهرب منه أساساً،” تقول أمل. وتضيف “قررنا الانتقال إلى طرطوس بالقرب من الساحل.

في طرطوس بدأت الأمور تتحسن بالتدريج: وجد أحمد عملاً في المنطقة الصناعية وتمكنت العائلة من استئجار شقة صغيرة. بدأ أطباء متطوعون بالعناية بالولدين ويقدمون لهما الآن الدعم النفسي الضروري للتعافي نفسياً. تبتسم أمل. “حين كنا في مخيم الحدلات أخبرت زوجي أننا سنعيش قريباً في بيت جميل بجانب البحر، كنت أمزح فقط لأرفع من معنوياته المحطمة”، تقول. “صحيح أننا لا نعيش على الشط، لكن على الأقل نعيش في مدينة ساحلية.” مثل كثيرين في سوريا، أمل وأسرتها قد عاشوا الأمرين وقاسوا الكثير. قضاؤهم لشهر رمضان الكريم قريباً من البحر هي ربما الفرصة لتتماثل جروجهم إلى الشفاء، والعثور ربما على نوع من الهدوء والاستكان.

 

 

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك, يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد